طرائف ونكت وتملق وأشياء أخرى
لم يختلف الاستقبال الذي خصصه أهلنا في مدينة أركيز للرئيس محمد ولد عبد العزيز عن الاستقبالات التي تخصص له في المدن الأخرى، إنها نفس المظاهر التي تتكرر دائما مع كل زيارة، وإنه نفس التملق، وإنها تقريبا نفس النكت والطرائف، وقديما قالت العرب بأن شر البلية ما يضحك.
نساء يلدن على الحمير في العام 2017
أحد المتدخلين في مدينة أركيز أشاد بالإنجازات العظيمة التي تحققت في هذا العهد، وقال في مداخلته بأنهم لا يريدون الرئيس محمد ولد عبد العزيز لمأمورية ثالثة أو رابعة فقط، بل يريدونه رئيسا للأبد ليواصل إنجازاته العظيمة..الطريف في الأمر أن صاحبنا هذا ختم مداخلته بالقول بأنه من المنحدرين من تجمع يضم 12 قرية، وبأن600 تلميذ في هذا التجمع يدرسون تحت الشجر، وبأن بعض نساء التجمع يلدن على العربات التي تجرها الحمير بسبب العزلة، وقال بأن أهالي هذه القرى قد حرموا حتى من الأراضي التي تجاور منازلهم، وأنهم يريدون أن تمنح لهم تلك الأراضي لزراعتها.
للتذكير فإن صاحبنا هذا لم يكن يتحدث أمام رئيس وصل للتو إلى السلطة، فهو لم يكن يتحدث في الثلث الأخير من العام 2008، حتى يكون من المقبول أن يتحدث عن أطفال يدرسون تحت الشجر، وعن أمهات يلدن فوق عربات تجرها الحمير بسبب التراكمات وبسبب سوء تسيير وفشل الأنظمة البائدة، إنه كان يتحدث أمام رئيس أكمل عقدا من “الإنجازات العظيمة” ومن”القفزات النوعية” في كل القطاعات، ومع ذلك فما يزال الأطفال في النصف الثاني من مأموريته الثانية يدرسون تحت الشجر، وما تزال النساء تلدن على عربات الحمير. إن مثل هذا الشخص الذي يتحدث بهذه الطريقة ليثير الشفقة، وإن مثل هذا الرئيس الذي يصغي باهتمام لهذا النوع من التطبيل ليثير الشفقة أكثر.
طبل وتملق ثم سافر ليجري فحوصات في السنغال
كتب الشاعر أحمد ولد أبو المعالي على صفحته في الفيسبوك عن حالة تطبيل تتكرر دائما وبأشكال مختلفة، إنها حالة مطبل يتصدر المبادرات الداعمة للتعديلات الدستورية، ويتحدث بأعلى صوته عن الإنجازات التي شاهدها بأم عينيه، وخاصة في مجال الطرق، والصحة، والتعليم. ولكن هذا المطبل لما أنهى مهامه التطبيلية، سافر إلى السنغال عبر طريق روصو ليجري فحوصات طبية هناك، وليستقبله أحد أفراد عائلته يدرس هناك.
هذه الحالة تتكرر دائما في صفوف المطبلين، فهم يحدثونك عن إنجازات عظيمة وعن قفزات نوعية تحققت في قطاع الصحة يستحق صاحبها أن يعبث له بالدستور وأن تفتح له المأموريات، ومع ذلك فإنه لا أحد من هؤلاء يقبل بأن يجري أبسط فحص طبي في مستشفيات بلده. وهم يحدثونك عن إنجازات عظيمة وعن قفزات نوعية تحققت في قطاع التعليم، ومع ذلك فهم يرسلون أبناءهم للدراسة في السنغال أو في المغرب أو في دول أخرى. إنهم لا يقبلون بتدريس أبنائهم في أي مدرسة عمومية، ومع ذلك يتحدثون عن مثل تلك الإنجازات والقفزات النوعية التي تحققت في مجال التعليم. وللتذكير فإن نسبة النجاح في الباكالوريا في هذا العام بالنسبة للتلاميذ الذين درسوا كل المرحلة الثانوية من أولى إعدادي إلى السنة السابعة ثانوي في عهد صاحب الإنجازات العظيمة لم تتجاوز 8%، وكانت هذه النسبة هي الأدنى عربيا، ولم تتجاوز نسبة الناجحين من المدارس العمومية التي تديرها الوزارة 1% من هذه النسبة القليلة أصلا (8%). بإمكاننا أن نصدق ما يقوله المطبلون عن الإنجازات العظيمة وعن القفزات النوعية التي تحققت في مجال التعليم والصحة وبقية القطاعات الأخرى، بإمكاننا أن نصدقهم لو قبلوا بأن يدرسوا أبناءهم في المدارس العمومية، أو قبلوا عند تعرضهم لأبسط مرض بأن يجروا الفحوصات في مستشفياتنا.إنهم يطالبون بالمزيد من المأموريات ليموت المزيد من الفقراء في مستشفياتنا، وليواصلوا هم رحلاتهم الاستشفائية إلى الخارج إن أصيبوا بأبسط مرض. في بعض الأحيان أتساءل إن كان يجوز للمواطن الفقير أن يسأل الله تعالى بأن يحرم كل من يطالب بمأمورية ثالثة، ويتحدث عن إنجازات عظيمة تحققت في مجال الصحة، بأن يحرمه من السفر إلى الخارج للعلاج، وأن يبتليه بالعلاج في مستشفياتنا الوطنية.
دموع أمام الرئيس
تحدثت بعض المواقع الإخبارية عن بكاء أحد العمال بوزارة التنمية الريفية خلال مصافحته للرئيس، وذكرت تلك المواقع بأن الرئيس لما سأل العامل عن السبب الذي جعله يجهش بالبكاء أجاب العامل بأنه والد الأطفال الذين توفوا في العام 2012 بسبب خطأ طبي، ارتكبته في حقهم متعاونة مع المركز الصحي بأركيز خلال حملة من حملات التلقيح.
الرئيس سأل العامل: وماذا تريد الآن بعد خمس سنوات من الحادث؟ فأجابه العامل بأنه يريد معرفة نتائج التحقيق!
للتذكير فإن ما تم تداوله بعد تلك الحادثة الأليمة من طرف الإعلام ومن طرف بعض النقابات ذات الصلة هو أن قطاع الصحة يعاني من نقص كبير في الممرضين والفنيين الذين يمكن أن يعهد لهم بتقديم الحقن خلال حملات التلقيح، وهو الشيء الذي يجعل بعض المراكز الصحية وفي كل حملة من حملات التلقيح توكل هذه المهمة الخطيرة لأشخاص غير مؤهلين، وفي حادثة أركيز فقد تم الحديث بشكل واسع أن المتسبب في ذلك الحادث كانت سيدة أمية متقدمة في السن وضعيفة البصر، وأنها حقنت الأطفال بمادة مخدرة ومميتة، وذلك بعد أن تم الدفع بها في عملية تلقيح الأطفال بسبب نقص الأشخاص المؤهلين، ومع ذلك يحدثونك عن إنجازات عظيمة تحققت في قطاع الصحة.
إن نظاما يتسبب في قتل الأطفال، ويعجز من بعد ذلك عن توفير نتائج تحقيق لأب فجع في أبنائه منذ أربع سنوات، إن نظاما كهذا سيكون عن توفير الدواء المناسب أكثر عجزا.
ثقة في القول وشكوك في الفعل
يصر المتدخلون أمام الرئيس على القول بأن الاستفتاء سينجح بنسب عالية، ولقد توقع البعض بأن نسبة نجاح الاستفتاء ستصل إلى 120%، ويمكن تفسير هذه العشرين الزائدة عن أقصى نسبة يمكن أن تتحقق، بأنها نتيجة لتصويت الموتى وأسماك موريتانيا ب”نعم” على التعديلات الدستورية، وذلك بعد أن طالبت لافتات بذلك. اللافت في الأمر هو أن هذه الثقة في التوقعات، لم تصاحبها ثقة في الأفعال على الأرض، بل إن هذه الأفعال تؤكد بأن هناك قلقا متناميا لدى السلطات العليا من فشل الاستفتاء، ولذلك فقد اضطرت هذه السلطات لأن تطلق حملة انتخابية سابقة لأوانها، ولأن تجبر عمال الوظيفة العمومية على التسجيل وعلى الانخراط في الحملة، ولأن تعطي إجازة للحكومة لمدة أسبوعين للرد على إجرام المقاطعين. للتذكير فإن الحكومة كانت في إجازة مفتوحة منذ استيلائها على مهام الحزب الحاكم، ومنذ تفرغها للسياسية. لقد فشلت الحكومة في مهامها الإدارية فانشغلت بالسياسية، ولقد فشل الحزب الحاكم في مهامه السياسية فانشغل في “اللاشيء”.
تعلم السلطة الحاكمة بأن غالبية الشعب الموريتاني ترفض الاستفتاء، وتعلم بأن الشعب الموريتاني قد يخرج من هذا الاستفتاء بعلمين وبنشيدين وبدستورين. إنها تعلم كل ذلك، ولكنها قررت أن تفرض هذا الاستفتاء غير الدستوري على الشعب الموريتاني تمهيدا لتشريع مأمورية ثالثة ستقترحها وستمررها عبر الجمعية الوطنية، وذلك بعد أن يكون قد قُضِىَّ على مجلس الشيوخ الذي تسبب في معاناة كبيرة للشعب الموريتاني حسب خطاب الرئيس في افتتاح الحملة .
لماذا لا يتم تعديل الدستور بمرسوم رئاسي؟
هناك مقترحٌ كثيرا ما يقدمه الأستاذ أحمد سالم ولد بوحبيني والذي كان قد وجه رسالة إلى الرئيس بمناسبة زيارته لمدينة أركيز، وهي الرسالة التي تحدث فيها عن المشاكل التي يعاني منها قطاع الزراعة. يتمثل هذا المقترح في إلغاء الاستفتاء الذي سيكلف خزينة الدولة أموالا طائلة، والاكتفاء ـ ترشيدا للموارد ـ بإصدار مرسوم رئاسي يقضي بتغيير العلم وبإلغاء مجلس الشيوخ والمحكمة السامية. إن هذا الاستفتاء الذي سينظم في الخامس من أغسطس هو استفتاء غير دستوري، وما دام غير دستوري، فإنه قد يكون من الحكمة أن يلغيه الرئيس، وأن يكتفي بإصدار مرسوم رئاسي يتضمن تغيير العلم، وإلغاء مجلس الشيوخ، وبذلك يتم ترشيد المال العام.
من الناحية الدستورية لا فرق بين أن يغير الرئيس العلم وأن يلغي مجلس الشيوخ بمرسوم رئاسي، أو باستفتاء شعبي ما دامت هناك فقرة من المادة 99 من الدستور الموريتاني تقول بلغة قانونية فصيحة وصريحة : ” لا يصادق على مشروع مراجعة إلا إذا صوت عليه ثلثا (3/2) أعضاء الجمعية الوطنية وثلثا (3/2) أعضاء مجلس الشيوخ ليتسنى تقديمه للاستفتاء.”
وأختم هذا المقال بهمسة في أذن الرئيس : إن الإصرار على تنظيم الاستفتاء وفرض مأمورية ثالثة قد يتسبب في خسارة ما تبقى من مأمورية الثانية، وهو في أغلب الأحوال سيؤدي إلى خروج غير مريح من القصر الرئاسي.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل
[email protected]