آراءموضوعات رئيسية
محمد اسحاق الكنتي يكتب عن “تواصل” : درس التناوب..القبيلة والجهة
رافق مؤتمر تواصل صخب كثير حول الديمقراطية والتناوب.. والواقع أن العملية كلها مخرجة بشكل توافقي بين المرشد والقيادة السياسية… فقد كتب إسلكو ولد أبهاه، قيادي في التنظيم مقرب من المرشد عمل محاضرا في مركز تكوين العلماء، إلى جانب نشاطات أخرى بمرها وحلوها، مقالا بعنوان.. “أتدرون من سيكون القائد القادم لحزب تواصل…؟” نشر المقال على نطاق واسع، يومين قبل انعقاد المؤتمر، في 20 ديسمبر 2017 الساعة 19:00. لم يكن الكاتب معتمدا على تحليل، ولم يركن إلى وساوس، وإنما قدم معلومات دقيقة بأسماء المرشحين الأربعة الذين مارس عليهم “الجرح والتعديل”، فأسقط ثلاثة وزكى الرابع فوافق “صدفة” هوى المؤتمرين فانتخبوه بأغلبية ساحقة!!! والمعايير التي يعتمدها لا تتجاوز القبيلة والجهة.. يقول: “الشيخان ولد بيب:… ينحدر من الشمال وينتمي كالرئيس جميل- على عكس معظم القادة الآخرين- إلى إحدى القبائل العربية المقاتلة،…” ويسكت عن صلته بالجنوب! ويقول عن الحسن ولد محمد..”…ينحدر ولد محمد من إحدى المجموعات الاجتماعية الوافرة في الحزب، وهي بكل تأكيد نقطة قوة له إذ آلاف الشباب الذين تجمعهم به آصرة الدم والقربى ممن لا يمتلكون انتماء إيديولوجيا أو “مصلحيا” من الطبقة الوسطى من التجار ورجال الأعمال لن يكون اندفاعهم في الحزب وبذلهم فيه حين يكون رئيسا له كيوم يكون آخر رئيسا له، وهو أمر سيكون من المكابرة أو المثالية المفرطة إغفاله أو إهماله بشكل تام… لكن ولد محمد ينتمي لفرع القبيلة المتواجد في منطقة الجنوب (ولاية اترارزة) وهي نقطة ضعف في نظري،…”، ويقول عن محمد غلام..” ينحدر ولد الحاج الشيخ من أقصى الشرق الموريتاني رغم انتمائه في الأصل إلى منطقة الوسط ورغم ثقافته “الجنوبية” العالية وعلاقاته المتشعبة مع مثقفي وعلماء وشخصيات المنطقة الجنوبية…” ويخلص إلى أن هذه “الخصال” القبلية والجهوية هي التي ستحدد اختيار الرئيس القادم..” والحقيقة أن القائد القادم لتواصل يحتاج كل أو جل الصفات المنثورة في الشباب وفي القادة آنفي الذكر، فمن لحزب تواصل بمن يجمع كل أو جل تلك الخصال؟” ويجتهد الكاتب ليجد الشخصية التي تجمع كل هذه “الخصال” ليعثر بها في محمد محمود..” فالرجل يمتلك ذات جهة غلام وبعض علاقاته وذات مجموعة الحسن الاجتماعية…،”
لنلاحظ أن القبيلة والجهة قد تكون مصدر قوة أو ضعف؛ ففي حالة ولد محمد كانت القبيلة مصدر قوة، حيث صرح الكاتب أن أبناء قبيلته لن يبذلوا للحزب إذا لم يكن رئيسه مقدار ما سيبذلون لو أصبح رئيسا له. وهو ما يعني أن الانتماء القبلي هو المحرك الأول للمناضلين. لكن الجهة تصبح مصدر ضعف لولد محمد. أما ولد الحاج الشيخ فهو محل تنازع بين الجهات؛ فهو ينحدر من أقصى الشرق، لكنه في الأصل من الوسط، وله “ثقافة جنوبية”، وعلاقات متشعبة في تلك المنطقة، لذلك فهو يمثل “اللامنتمي” ضمن المرشحين. أما انحدار ولد بيب من الشمال وانتماؤه إلى إحدى القبائل العربية المحاربة، مثل جميل فهو مما يفت في عضدده، إذ لا يزال الشمال محصننا دون الإخوان، والتناوب القبلي مطروح بقوة…
لنتذكر أن تواصل ظل يقيم الدنيا ويقعدها منددا باستغلال النظام للقبيلة، كلما أعلنت مبادرة شعبية تحت مظلة اجتماعية! فمن يستقل القبيلة حقا وبشكل رسمي؟
لو كان الكاتب مجرد متابع للشأن السياسي، متخصص في تواصل لاستحق عن مقاله جائزة أفضل توقع في العام المنصرم، لكن كون الرجل من أهل المطبخ يجعل مقاله رسالة واضحة توجه المؤتمِرين إلى انتخاب من انتخبوا، وهذا مخالف بكل المقاييس لقواعد الديمقراطية. أضف إلى ذلك أن الديمقراطية تقوم على حرية الترشح وهو ما منعه الحزب منعا باتا. حتى في الديمقراطيات الموجهة، مثل إيران يسمح بالترشح لكن هناك هيئة تمارس “الجرح والتعديل” لفرز من يسمح لهم بالترشح في النهاية… ثم إن حزبا وطنيا يدعي أن منتسبيه بلغوا مائة ألف لا ينبغي أن يحصر الترشح لرئاسته في شريحة واحدة، ويزكي مرشحَين من قبيلة واحدة، ويحصر رباعيته في جهتين مهملا بقية جهات الوطن!!! ألم يكن أكثر صدقية للحزب أن يدفع بمرشح من الفئات التي يصدح “حقوقيوه” بأنها مهمشة؟ والأمر لا يكلف الحزب شيئا ما دام الفائز معروفا مسبقا… ولم نسمع من قبل بحزب من أحزابنا على كثرتها، رشح أبناء عمومة لنفس الوظيفة، أحرى أن تكون رئاسته. لكن ما يبرر ذلك هو ما أشار إليه الكاتب من تجار ورجال أعمال، والتمويل أصبح هاجس الحزب الأول بعد تقلص الواردات من الخارج.
يفخر التواصليون باحترامهم لنصوصهم ويبررون بذلك لجوءهم للتناوب.. فلنستمع لما قال أحد المؤتمِرين عن تلكم النصوص..” هذه الوثائق كتبت على شاكلة ، ونوقشت هدرا، وصودق عليها على حرف ، ولولا أنه من المعروف أن ضرب المثـل ينطبق على أكثر الوثائق العالمية ومنهم هذه الوثائق وهو” حبر على ورق ” لكان وجودها والتصويت عليها أحدث شرخا غائرا في المؤتمر “.(محمد بن البار: للإصلاح.. تثمن المؤتمر الثالث “لتواصل” وتكتب ملاحظة عليه). صودق على الوثائق “على حرف” حسب تعبير الكاتب الحافظ لكتاب الله، المدرك لمعانيه، نحسبه…”قال مجاهد وقتادة وغيرهما على حرف: على شك. وقال غيرهم: على طرف، ومنه حرف الجبل، أي طرفه، أي: دخل في الدين على طرف، فإن وجد ما يحبه استقر، وإلا انشمر.” (ابن كثير، الحج، الآية 11).
نقاش الوثائق كان هدرا، ولولى أنها “حبر على ورق” لأحدث وجودها والتصويت عليها شرخا غائرا في المؤتمر. ونجد الدليل سريعا، من داخل المؤتمر على أن الوثائق “حبر على ورق”. يقول ابن البار..”… فقـل أن تـقرأ ورقة واحدة من جميع الوثائق إلا وفيها شدة الاعتزاز والامتنان بوجود التنوع الثقافي واختلاف الألسن والألوان إلى آخره حتى أن الكتاب للوثيقة ناقضوا ما كتبوا:…” وحين أرادوا الترشيح لرآستهم لم يلتفتوا إلا لبعض شريحة، ومرشحان من قبيلة واحدة!!!
يستمر ابن البار في نقد الوثائق التي يفاخر بها التواصليون..”… فهذه الوثائق لم يصوت عليها تصويت الإسلام بمعنى أنه لم يتأكد كل مؤتمِر أنه سمع مضمونها وما أدخل في مناقشتها لم يطرح للتصويت عليه بل أصرت لجنة القيادة أن تطرحها للتصويت دون ما طرأ عليها من تصحيح وصوت عليها الجميع في هرج ومرج، وفي ذلك الوقت اختـلط الحابل بالنابل في التصويت حتى أجيزت الوثائق كما هي مع شبه إجماع المؤتمِرين أنها لا تصلح للتطبيق، مع أنه ولله الحمد كما قدمت لم يطبق في الوثائق إلا الجمل النظرية دون الفكرية”. تلكم صورة حية، التقطها بكل تفاصيلها من لا يتهم في تواصل، تظهر قيمة الوثائق وطريقة التصويت عليها التي يختلط فيها الحابل بالنابل، والهرج بالمرج… ويزيد ابن البار الأمر وضوحا بسخريته من مجلس الشورى الذي اعتذر عن تجديد عضويته فيه..”…، لكني قررت قبل المؤتمر أن نكتـفي بالانتساب لأن الجلوس في السنة مرتين في مجلس الشورى لتدخل في الجلسات أغلب نتائجها أسمع غير مسمع…” يعود ابن البار من جديد إلى لغة القرآن التي ينتقي منها ما يناسب المقام؛ قال في التفسير..”(واسمع غير مسمع)، أي: اسمع ما نقول لا سمعت، رواه ابن عباس، وقال مجاهد والحسن: واسمع غير مقبول منك، …، وهذا استهزاء منهم واستهتار، عليهم لعنة اللّه (وراعنا ليَّا بألسنتهم وطعناً في الدين)، أي: يوهمون أنهم يقولون راعنا سمعك بقولهم راعنا، وإنما يريدون الرعونة بسبهم النبي،… ولهذا قال تعالى عن هؤلاء اليهود الذين يريدون بكلامهم خلاف ما يظهرونه…”(ابن كثير، النساء 46). فهل بعد هذه الشهادة يمكن لتواصل أن يفخر بنصوصه، أو بمؤسساته!
ويغمز ابن البار في التناوب حين يقول..”… طلبت أحد القادة الحاضر دائما في قضايا الحزب [أين التناوب!] ألا يكتب اسمي في هذه المرة لا بداية ولا ملحقا كما في المرة السابقة…” ومثلُ ابن البار، في انتمائه ودفاعه عن تواصل، يكتب اسمه في الملحق! فما الذي أبطأ به عند تواصل!!! يودع ابن البار مؤسسات الحزب بحسرة من خاب أمله..” أما مجلس الشورى وغيره من المؤسسات فإني استودعه الله متمنيا لهم التوفيق في التدخلات والاستجابة لأغلبيتها…”
لا يختلف موقف ابن البار من الرئيس الجديد عن مواقف باقي التواصليين، فيتحاشى ذكر اسمه..”…أهنئ الحزب على اختيار رئيسه الجديد…راعوا في اختيارهم لمرشهم…” إنه الحاضر الغائب الذي يشار إليه من بعيد…
لقد عرفنا من التواصليين معايير اختيار القيادة، وقيمة النصوص ومكانة المؤسسات، فتعالوا نسمع منهم الدوافع الحقيقية للتناوب على قيادة الحزب. يقسم ولد أبهاه الحزب، حول هذه المسألة، إلى تيارين..” يبرز اليوم تياران في هذا المنحى أحدهما يحصر القيادة في النخبة القريبة من مركز القيادة الحالي ذات التجربة الطويلة والحضور القوي والدراية التامة بكواليس الحزب ويكاد ينحصر الأمر في الثلاثي (شيخاني – غلام – الحسن) بعد أن ابتعد القياديان السالك ولد سيد محمود والمختار ولد محمد موسي عن ذات المنطقة التي لا يزال الثلاثي آنف الذكر يتواجد بها، لظروف تخصهما كل على انفراد.” هناك إذن تصدع في القيادة أدى إلى ابتعاد قياديين لينحصر التنافس، ضمن الجهاز الحاكم على ثلاثة. وهذا الجهاز لا يحظى بالإجماع ضمن الأطر العليا للحزب..” وتيار آخر يريد “مسح الطاولة” من القديم وتسليم القيادة لأحد أفراد الجيل الجديد الصاعد، ويعلل أصحاب هذا الاتجاه رأيهم بأن التباين في وجهات نظر الفريق القائد الآن للحزب وصل في بعض الأمور إلى مستوى يعرقل انسيابية عمل الحزب وتألقه وأن اختيار أي من القيادات السابقة سيكون تقوية لفريق دون آخر،…” الصراع إذن محتدم داخل قيادة الحزب إلى حد عرقلة “انسيابية عمل الحزب”، وبذلك فإن الخلاف وصل إلى مرحلة متقدمة فلم تعد هناك إمكانية لتأجيل الحسم فيه، من هنا اللجوء إلى التناوب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
يتجاوز الخلاف القيادة إلى القاعدة. يقول ولد أبهاه..”… إن الغالبية الصامتة في الحزب راغبة في نفي الشبهة التي طالما روجت لها المخابرات وتلقفها بعض شيعة وأنصار الحزب من تحكم أبناء الجنوب فيه،…” ولم تعد هذه الغالبية قادرة على الصمت أكثر من ثلاثة عقود من الإقصاء، فكان لا بد من التناوب. ويضيف ولد أبهاه سببا آخر لإبعاد القيادة المنتسبة إلى “اليسار الإسلامي”،”…ويمتلك [محمد محمود] من الصفة الإسلامية والعلم الشرعي ما يسكت بعض شركاء الساحة الإسلامية (من السلفيين وأشباه السلفيين) الذين كثيرا ما اتهموا الحزب بالميل نحو العلمانية والتفريط في الطابع الإسلامي للحزب…” وتلك شهادة بأن الأستاذ ولد محمد لوليد والكنتي قد تدخلا في انتخابات تواصل، فوجب تعيين محام خاص للتحقيق في القضية…
ينتبه ولد أبهاه إلى أنه ربما تجاوز التفويض الممنوح له فقرظ الرئيس المرتقب، لذلك يبادر إلى تعديل الصورة..”صحيح أن الرجل ليس بالخطيب المفوه، كما أنه قدم أداء برلمانيا باهتا خلال الدورة الحالية…” وحين يحاول ثناء خجولا يلجأ إلى أفعال المقاربة..”…لكنه رجل يكاد يكون مقبولا من الجميع…” وكان ولد أبهاه الوحيد الذي ذكّر بالماضي الناصري للرئيس الجديد لتواصل، فوصفه بالتربص، وشبهه بإبراهيم عليه السلام، لكن دلالة الآية التبست عليه، فجعل محمود يختار تواصل لأنه أكبر، وإن كان إبراهيم قد فضل الشمس على القمر لأنها بدت له أكبر فسرعان ما برئ منها حين أفلت، فهل سيتبرأ محمود من تواصل حين يأفل؟
لنلاحظ أن القبيلة والجهة قد تكون مصدر قوة أو ضعف؛ ففي حالة ولد محمد كانت القبيلة مصدر قوة، حيث صرح الكاتب أن أبناء قبيلته لن يبذلوا للحزب إذا لم يكن رئيسه مقدار ما سيبذلون لو أصبح رئيسا له. وهو ما يعني أن الانتماء القبلي هو المحرك الأول للمناضلين. لكن الجهة تصبح مصدر ضعف لولد محمد. أما ولد الحاج الشيخ فهو محل تنازع بين الجهات؛ فهو ينحدر من أقصى الشرق، لكنه في الأصل من الوسط، وله “ثقافة جنوبية”، وعلاقات متشعبة في تلك المنطقة، لذلك فهو يمثل “اللامنتمي” ضمن المرشحين. أما انحدار ولد بيب من الشمال وانتماؤه إلى إحدى القبائل العربية المحاربة، مثل جميل فهو مما يفت في عضدده، إذ لا يزال الشمال محصننا دون الإخوان، والتناوب القبلي مطروح بقوة…
لنتذكر أن تواصل ظل يقيم الدنيا ويقعدها منددا باستغلال النظام للقبيلة، كلما أعلنت مبادرة شعبية تحت مظلة اجتماعية! فمن يستقل القبيلة حقا وبشكل رسمي؟
لو كان الكاتب مجرد متابع للشأن السياسي، متخصص في تواصل لاستحق عن مقاله جائزة أفضل توقع في العام المنصرم، لكن كون الرجل من أهل المطبخ يجعل مقاله رسالة واضحة توجه المؤتمِرين إلى انتخاب من انتخبوا، وهذا مخالف بكل المقاييس لقواعد الديمقراطية. أضف إلى ذلك أن الديمقراطية تقوم على حرية الترشح وهو ما منعه الحزب منعا باتا. حتى في الديمقراطيات الموجهة، مثل إيران يسمح بالترشح لكن هناك هيئة تمارس “الجرح والتعديل” لفرز من يسمح لهم بالترشح في النهاية… ثم إن حزبا وطنيا يدعي أن منتسبيه بلغوا مائة ألف لا ينبغي أن يحصر الترشح لرئاسته في شريحة واحدة، ويزكي مرشحَين من قبيلة واحدة، ويحصر رباعيته في جهتين مهملا بقية جهات الوطن!!! ألم يكن أكثر صدقية للحزب أن يدفع بمرشح من الفئات التي يصدح “حقوقيوه” بأنها مهمشة؟ والأمر لا يكلف الحزب شيئا ما دام الفائز معروفا مسبقا… ولم نسمع من قبل بحزب من أحزابنا على كثرتها، رشح أبناء عمومة لنفس الوظيفة، أحرى أن تكون رئاسته. لكن ما يبرر ذلك هو ما أشار إليه الكاتب من تجار ورجال أعمال، والتمويل أصبح هاجس الحزب الأول بعد تقلص الواردات من الخارج.
يفخر التواصليون باحترامهم لنصوصهم ويبررون بذلك لجوءهم للتناوب.. فلنستمع لما قال أحد المؤتمِرين عن تلكم النصوص..” هذه الوثائق كتبت على شاكلة ، ونوقشت هدرا، وصودق عليها على حرف ، ولولا أنه من المعروف أن ضرب المثـل ينطبق على أكثر الوثائق العالمية ومنهم هذه الوثائق وهو” حبر على ورق ” لكان وجودها والتصويت عليها أحدث شرخا غائرا في المؤتمر “.(محمد بن البار: للإصلاح.. تثمن المؤتمر الثالث “لتواصل” وتكتب ملاحظة عليه). صودق على الوثائق “على حرف” حسب تعبير الكاتب الحافظ لكتاب الله، المدرك لمعانيه، نحسبه…”قال مجاهد وقتادة وغيرهما على حرف: على شك. وقال غيرهم: على طرف، ومنه حرف الجبل، أي طرفه، أي: دخل في الدين على طرف، فإن وجد ما يحبه استقر، وإلا انشمر.” (ابن كثير، الحج، الآية 11).
نقاش الوثائق كان هدرا، ولولى أنها “حبر على ورق” لأحدث وجودها والتصويت عليها شرخا غائرا في المؤتمر. ونجد الدليل سريعا، من داخل المؤتمر على أن الوثائق “حبر على ورق”. يقول ابن البار..”… فقـل أن تـقرأ ورقة واحدة من جميع الوثائق إلا وفيها شدة الاعتزاز والامتنان بوجود التنوع الثقافي واختلاف الألسن والألوان إلى آخره حتى أن الكتاب للوثيقة ناقضوا ما كتبوا:…” وحين أرادوا الترشيح لرآستهم لم يلتفتوا إلا لبعض شريحة، ومرشحان من قبيلة واحدة!!!
يستمر ابن البار في نقد الوثائق التي يفاخر بها التواصليون..”… فهذه الوثائق لم يصوت عليها تصويت الإسلام بمعنى أنه لم يتأكد كل مؤتمِر أنه سمع مضمونها وما أدخل في مناقشتها لم يطرح للتصويت عليه بل أصرت لجنة القيادة أن تطرحها للتصويت دون ما طرأ عليها من تصحيح وصوت عليها الجميع في هرج ومرج، وفي ذلك الوقت اختـلط الحابل بالنابل في التصويت حتى أجيزت الوثائق كما هي مع شبه إجماع المؤتمِرين أنها لا تصلح للتطبيق، مع أنه ولله الحمد كما قدمت لم يطبق في الوثائق إلا الجمل النظرية دون الفكرية”. تلكم صورة حية، التقطها بكل تفاصيلها من لا يتهم في تواصل، تظهر قيمة الوثائق وطريقة التصويت عليها التي يختلط فيها الحابل بالنابل، والهرج بالمرج… ويزيد ابن البار الأمر وضوحا بسخريته من مجلس الشورى الذي اعتذر عن تجديد عضويته فيه..”…، لكني قررت قبل المؤتمر أن نكتـفي بالانتساب لأن الجلوس في السنة مرتين في مجلس الشورى لتدخل في الجلسات أغلب نتائجها أسمع غير مسمع…” يعود ابن البار من جديد إلى لغة القرآن التي ينتقي منها ما يناسب المقام؛ قال في التفسير..”(واسمع غير مسمع)، أي: اسمع ما نقول لا سمعت، رواه ابن عباس، وقال مجاهد والحسن: واسمع غير مقبول منك، …، وهذا استهزاء منهم واستهتار، عليهم لعنة اللّه (وراعنا ليَّا بألسنتهم وطعناً في الدين)، أي: يوهمون أنهم يقولون راعنا سمعك بقولهم راعنا، وإنما يريدون الرعونة بسبهم النبي،… ولهذا قال تعالى عن هؤلاء اليهود الذين يريدون بكلامهم خلاف ما يظهرونه…”(ابن كثير، النساء 46). فهل بعد هذه الشهادة يمكن لتواصل أن يفخر بنصوصه، أو بمؤسساته!
ويغمز ابن البار في التناوب حين يقول..”… طلبت أحد القادة الحاضر دائما في قضايا الحزب [أين التناوب!] ألا يكتب اسمي في هذه المرة لا بداية ولا ملحقا كما في المرة السابقة…” ومثلُ ابن البار، في انتمائه ودفاعه عن تواصل، يكتب اسمه في الملحق! فما الذي أبطأ به عند تواصل!!! يودع ابن البار مؤسسات الحزب بحسرة من خاب أمله..” أما مجلس الشورى وغيره من المؤسسات فإني استودعه الله متمنيا لهم التوفيق في التدخلات والاستجابة لأغلبيتها…”
لا يختلف موقف ابن البار من الرئيس الجديد عن مواقف باقي التواصليين، فيتحاشى ذكر اسمه..”…أهنئ الحزب على اختيار رئيسه الجديد…راعوا في اختيارهم لمرشهم…” إنه الحاضر الغائب الذي يشار إليه من بعيد…
لقد عرفنا من التواصليين معايير اختيار القيادة، وقيمة النصوص ومكانة المؤسسات، فتعالوا نسمع منهم الدوافع الحقيقية للتناوب على قيادة الحزب. يقسم ولد أبهاه الحزب، حول هذه المسألة، إلى تيارين..” يبرز اليوم تياران في هذا المنحى أحدهما يحصر القيادة في النخبة القريبة من مركز القيادة الحالي ذات التجربة الطويلة والحضور القوي والدراية التامة بكواليس الحزب ويكاد ينحصر الأمر في الثلاثي (شيخاني – غلام – الحسن) بعد أن ابتعد القياديان السالك ولد سيد محمود والمختار ولد محمد موسي عن ذات المنطقة التي لا يزال الثلاثي آنف الذكر يتواجد بها، لظروف تخصهما كل على انفراد.” هناك إذن تصدع في القيادة أدى إلى ابتعاد قياديين لينحصر التنافس، ضمن الجهاز الحاكم على ثلاثة. وهذا الجهاز لا يحظى بالإجماع ضمن الأطر العليا للحزب..” وتيار آخر يريد “مسح الطاولة” من القديم وتسليم القيادة لأحد أفراد الجيل الجديد الصاعد، ويعلل أصحاب هذا الاتجاه رأيهم بأن التباين في وجهات نظر الفريق القائد الآن للحزب وصل في بعض الأمور إلى مستوى يعرقل انسيابية عمل الحزب وتألقه وأن اختيار أي من القيادات السابقة سيكون تقوية لفريق دون آخر،…” الصراع إذن محتدم داخل قيادة الحزب إلى حد عرقلة “انسيابية عمل الحزب”، وبذلك فإن الخلاف وصل إلى مرحلة متقدمة فلم تعد هناك إمكانية لتأجيل الحسم فيه، من هنا اللجوء إلى التناوب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
يتجاوز الخلاف القيادة إلى القاعدة. يقول ولد أبهاه..”… إن الغالبية الصامتة في الحزب راغبة في نفي الشبهة التي طالما روجت لها المخابرات وتلقفها بعض شيعة وأنصار الحزب من تحكم أبناء الجنوب فيه،…” ولم تعد هذه الغالبية قادرة على الصمت أكثر من ثلاثة عقود من الإقصاء، فكان لا بد من التناوب. ويضيف ولد أبهاه سببا آخر لإبعاد القيادة المنتسبة إلى “اليسار الإسلامي”،”…ويمتلك [محمد محمود] من الصفة الإسلامية والعلم الشرعي ما يسكت بعض شركاء الساحة الإسلامية (من السلفيين وأشباه السلفيين) الذين كثيرا ما اتهموا الحزب بالميل نحو العلمانية والتفريط في الطابع الإسلامي للحزب…” وتلك شهادة بأن الأستاذ ولد محمد لوليد والكنتي قد تدخلا في انتخابات تواصل، فوجب تعيين محام خاص للتحقيق في القضية…
ينتبه ولد أبهاه إلى أنه ربما تجاوز التفويض الممنوح له فقرظ الرئيس المرتقب، لذلك يبادر إلى تعديل الصورة..”صحيح أن الرجل ليس بالخطيب المفوه، كما أنه قدم أداء برلمانيا باهتا خلال الدورة الحالية…” وحين يحاول ثناء خجولا يلجأ إلى أفعال المقاربة..”…لكنه رجل يكاد يكون مقبولا من الجميع…” وكان ولد أبهاه الوحيد الذي ذكّر بالماضي الناصري للرئيس الجديد لتواصل، فوصفه بالتربص، وشبهه بإبراهيم عليه السلام، لكن دلالة الآية التبست عليه، فجعل محمود يختار تواصل لأنه أكبر، وإن كان إبراهيم قد فضل الشمس على القمر لأنها بدت له أكبر فسرعان ما برئ منها حين أفلت، فهل سيتبرأ محمود من تواصل حين يأفل؟
تلكم هي ديمقراطية تواصل وتناوبه بعيون اثنين من قيادته عرف كلاهما فلزم، لتظهر الحقيقة بلا رتوش.. صراعات عميقة تطرد “غورباتشوف”، وتأتي بيلتسين على ظهر المرشد…
حين ألف الإمام الغزالي “فضائح الباطنية” لم يكن يرجو هدايتهم، وإنما كشف شبهاتهم للمسلمين، وعلى نهجه سار علماء الإسلام في الرد على أصحاب الأهواء والبدع…