كتاب ” الدوائر السبع، ملحمة سوداء” تقديم بقلم الدهماء
ثلاث روايات للحقبة الاستعمارية من ثلاث شخصيات مختلفة، ” نِصْرانِ” ، “بيظانيه”، ” بولاري”، للمؤلفة وخبيرة الأنثروبولوجيا ” Sophie Caratini ، صوفي كاراتيني”.
كان كتابها الأول: “المسيرة الأخيرة للإمبراطورية، تربية صحراوية”.. ” La Dernière Marche de l’empire, une éducation saharienne ” وهي رؤية لواقع استعمار موريتانيا من ضابط فرنسي من “الجمَّالة، المهاريست” ألقت به المغامرة الاستعمارية في صحراء موريتانيا. وصدر سنة (2009م).
ثم الكتاب الثاني: “ابنة الصياد” .. ” La Fille du chasseur ” الصادر (2011م) ، و الذي كان رؤية امرأة من مجتمع “البيظان” البدوي لتلك الحقبة.
ثم الثالث: ” الدوائر السبع، ملحمة سوداء”..” Les sept cercles, Une odyssée noire ” هو رؤية أحد ” الرماة السود” من مجتمع ” الهالبولار” الموريتاني لنفس الحقبة، و صدر سنة (2015م).
سأستعرضُ معكم ثانية – بإذن الله- ثالث هذه الكتب ،” الدوائر السبع، ملحمة سوداء”، في مُلخَّصات مضغوطة، ليكتشف القارئ باللغة العربية بعض ما سطرته أقلام فرنسية عن تجربة فرنسا الاستعمارية في قهرنا ومسخنا.. وما كتبوا عن فظاعاتهم معنا ليرفعوا عن ماضيهم عبء الاخطاء ويتنصلوا من كلفة الخطايا.
في هذا الكتاب يَسْتعير ” الرَّامي الأسود” في الجيش الفرنسي “موسى جيبي وانْيْ” قلم الكاتبة “صوفي كاراتيني” ليروي قصة حياته الواقعية، وتجربته مع المستعمر الفرنسي في موريتانيا، في كتاب من 393 صفحة، نشرته مطابع Thierry Marchaisse.
ولد “موسى جيبي وانْيْ” سنة 1918م وتوفي 2007م ، يحكي في هذا الكتاب عن الضفة وعن نهر الحياة، نهر السنغال، ورحلته الأولى الى دكار، واصطياده هناك من قبل الفرنسيين و تسخيره لمصالحهم في عبودية استعمارية،.. تحدث عن العبودية في الضفة، عن احتقار المستعمر للسود،.. تناول خدمته العسكرية في “آدرار” و “تكَانت”، و”لعصابه”، والرّعب من “اركَيبات” في الشمال، وقمع “الحمويين” في الشرق،.. رحلته الى نيجيريا في ما يشبه النفي القسري بفعل السّحر، .. عن التعدد، و زيجاته (22 امرأة)، والحج على الأقدام،.. يحكي عن العودة للوطن و روايته و رؤيته لأحداث 1989م العرقية بين موريتانيا والسنغال، و الاحتقان الذي تلاها و عن العلاقة المتشنجة بين “البيظان” و “الهالبولار”،.. عن تجريم “معاوية ولد سيدي أحمد الطايع”، و الحوار مع “اعل ولد محمد فال”.
الكتاب سرد لحياة عاشها هذا “الرامي” في “ملحمة سوداء” مشبعة بالكثير من الأحداث البسيطة في شكلها، العميقة، الثرية في بعدها الإنساني.
وحتى لا نعيد جدل ” ابنة الصياد” عما إذا كانت هذه الأحداث حقيقية أم خيالا أم تاريخا،.. أُكرِّرُ أن الرِّواية سرد ذاتي لشاهد على حقبة من منظور “انثروبولوجي” يعتمد على تراكم المعلومات الشفهية وعلى تجربةٍ شخصيةٍ لإبطال الرِّوايتين مع واقع الاستعمار ، توازيها دراسة من الخبيرة تمزج سلوك مجتمعنا المتنوع عرقيا بتطوّر الأنساق الاجتماعية داخله وتمايزها ثقافيا،.. وستتباين لنفس الأسباب رؤية “الرَّامي البولاري موسى”، و رؤية “البيظانيه بنت اطويلب” لبعض الأحداث، وربما رؤيتي و رؤيتكَ حسب العِرقية و المحيط و الخلفية الاجتماعية لكل منا.
سيضيقُ مزاج صفحتي عن كل تعليق يلمِّحُ أو يصرِّح بالعنصرية اتجاه بعض الأحداث التي نقلتُها بأمانة كما وردت في الكتاب،… لن تتقاطع طريقي مع من يتوَسَّلون الشِّعارات العنصرية، ويستمرئون التلاعب بالثوابت الوطنية، وألتمسُ من أصدقائي الأعزاء التَّفهم، فليس من الحكمة أن ننزع لفرض تصوراتنا عَنِ الآخر بطريقة قهرية.
الهدف هنا أ ن نعيد اكتشاف جراحنا و نظرة بعضنا لبعضنا سودًا وبيضًا،.. أنْ نَعرِفَ أكثرَ وأعمقَ عن مكوِّنات وطنية تَشظَّتْ حتى أصبحت عدة شعوب على حيز أرضي واحد اسمه موريتانيا،.. يقف ضدَّه المناخ، و تعاند آماله التوقعات التنموية، ويسفّه أحلامه تمترس أبنائه لبعضهم البعض،..
نحن نتاج قمار جِينِي لوَّننا بين أبيض وأسود وتلك من آيات الله تعالى في الخلق، اختلاف ألسنتنا وألواننا، و ستبقى نِسبتنا الطِّينيَّة لآدم مُساويَّة لنا في الأصل. وسيبقى التقوى وحده الرافعة التي تمنحنا طاقة دفع للتَّميز بالفضل على بعضنا.
ستُنشر الملخصات على “مورينيوز”، لكبير احترامي لصاحبه، وحتى يتمكَّن غير أصدقائي على الصفحة من قراءتها، ولأني كذلك أبحث عن قارئ حصيف،…. لا قارئ إثارة.
هذا الكتاب تفضَّلت به عليَّ عزيزتي المتميزة فطمة بنت محمد المصطفى من مكتبتهم الأُسريَّة الثرية فلها منِّي كل الشكر والعرفان.