كدح الكادحين!/ محمد محفوظ أحمد
نالت حركة الكادحين، بفعل أقدميتها وتزامنها مع بداية الدولة وظهور الثقافة المدنية واجتياح فكر التحرر والثورة على الهياكل الاستعمارية… رواجا كبيرا بين الشباب، وكانت موئلا للحالمين بالعدالة والتحرر من كل القيود السياسية والاجتماعية. وانخرط في نضال هذه الحركة المتألق أناس من مشارب ومنطلقات شتى، جامعها معارضة السلطة القائمة وما تمثله من امتداد استعماري ومحافظة اجتماعية تقليدية… ولكن ما لبث الوضع أن تبلور وعرف كل أناس مشربهم، فامتاز القوميون بنضالهم ضد الفرنسة والتغريب، واستمالت السلطة ووظائفها ورفاهيتها “الميثاقيين” من الكادحين الذين سيستأثرون بالنفوذ والوزن، حتى إذا ضايقهم ضباط العسكر الانقلابيون شكلوا معارضة حركة AMD المقربة من فرنسا والمغرب، ونظيرتها MND المصغية للجزائر…
ثم لم يبق من الكادحين إلا خليط مؤقت من”الماويين” الذين سيذوبون بعد فشل الشيوعية في مصالحهم الشخصية بين يدي السلطة، أي سلطة! و”الكادحين” (بالمعنى اللغوي) الذين يناضلون ضد الظلم والعبودية والطبقية القبلية… ظلوا مخلصين لمبادئهم عاضين عليها بالنواجذ. وهؤلاء هم الثلة الوريثة الشرعية لحركة الكادحين ونضالها الاجتماعي الناصع، التي شكلت في النهاية حزب اتحاد قوى التقدم (UFP) الذي تهتز أركانه القوية هذه الأيام.
تناقصت على العموم شعبية اليسار كله، وخاصة الكادحين “السابقين” قبل أن تمحي تقريبا في الشارع، مقابل نفوذهم وسيطرتهم على الوظائف ومراكز السلطة “الوسطية” المتحكمة في التسيير، والمهيمنة على مفاصل الدولة العميقة! ومن المفارقات، المنسية، أن نظام المختار داداه الذي نشأ الكادحون لمقارعته كان في تكوينه ورؤيته، وحتى معظم قراراته، يشاركهم نفس التوجهات والرؤى… حتى قيل إنه “نسخة الشمس” (مقابل مصطلح حكومات الظل) من حركة الكادحين! الأمر الذي سهل انخراط معظمهم في ذلك النظام، واستجابته هو ـ بطريقته ـ لأهم مطالبهم (مثل مراجعة الاتفاقيات مع فرنسا وتأميم ميفرما ومراقبة السوق ومجانية التعليم والصحة…). واليوم وقد تغيرت الأمور كثيرا ولم يعد من الكادحين كادح إلا ثلة قليلة تجمعها قيادة حزب UFP لا أعتقد أنها تتحمل مزيدا من التقلص و الانشقاق… وما يهزها الآن يبدو أن سببه محاولة رئيس الحزب تحريكه وانفتاحه على اتجاهات المجتمع من أجل تنشيطه وإكسابه مواقع انتخابية، بينما يصر الرفاق على تقديم الثبات على المبادئ والرؤى التي عضوا عليها بالنواجذ في ظروف السراء والضراء. وهكذا بالإجمال انقسم لكادحون فريقين: فريق واسع من السياسيين والتكنوـ متعة، لم تقيدهم المبادئ أصلا، وقد ظلوا ولا يزالون هم السند والأداة لمختلف الأنظمة العسكرية الديكتاتورية؛ وهم يرون في الديمقراطية الحقيقية تهديدا لمصالحهم ومراكزهم، ولا يرون في الفساد بأسا… وتلك الثلة القيادية في UFP التي تتمسك بمبادئ باتت مقتنعة أن ألد أعدائها هو الاستبداد وحكم الفرد والفساد…
20 تعليقات