زواج الفتيات القصر / اسماعيل محمد خيرات
ترتكب الدولة مرة أخرى أكبر الحماقات حين تترك هذا الامر يخوض فيه الخائضون على هواهم من الذين لا يفهمون أبعاده ولا طبيعته ..زواج القصر يرتبط بالهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة sdg5 التي هي أهداف إلزامية إجبارية على دول العالم كلها ..و هي تشكل العمود الفقري للاجندة العالمية المعروفة بأجندة 2030 التي تم التوقيع عليها بالإجماع من طرف كل دول العالم في سبتمبر 2015 ..
زواج القصر علاقته هي بالتعليم وليس ما يتصوره المتحذلقون بخصوص الاغتصاب باسم الزواج او عدم الاستعداد الفيزيولوجي ، بل ان القضية هي بالأساس تمكين المرأة من فرص تحقيق الإنتاج ،فعلم الاستدامة، هذا العلم العظيم الناشئ لا ينظر إلى الهوة في فوارق الدخل فقط على مستوى الافراد كافراد مجردين فحسب ولا على مستوى الطبقة والطبقة فحسب بل ينظر إلى هوة الدخل على مستوى النوع اي بين الرجل والمرأة وهي هوة سحيقة اتضح أن لها صلة كبيرة بكل الاختلالات التنموية القائمة ..
جزء كبير من الحملات العالمية ضد زواج القصر هو من أجل أن لا توجد في العالم سنة 2030 فتاة لم تكمل الثانوية ،هذه غاية مرسومة ومسجلة ضمن غايات الهدف الخامس ..فزواج القاصر يعني الحمل والانجاب ثم في النهاية الانقطاع عن التعليم ، ما يثار من قضايا أخرى هو مجرد تحذلق وجهل وإثارة للغبار من أجل ادخال الامور في ضبابية و ارتياب لتحويلها إلى معارك بلا أهداف او بأهداف كاذبة ووهمية، فليس صحيحا ان “الغرب الكافر” هو الذي يأمر بها كيدا للمسلمين ،فالأمر ليس خاصا بالمسلمين بل ان نفس البرامج هي الآن قائمة في جنوب آسيا وعموم العالم . مؤسسات التنمية التي يديرها علماء وخبراء فيهم المسلمون وفيهم كل الأديان والأمم هي التي نصحت بهذا الأمر بل ألزمت به ، وهي نفس المؤسسات التي نصحت ووفرت مجانا تلاقيح الأطفال الرضع من الشهر الأول إلى التاسع ،وهي نفس المؤسسات التي نصحت ووفرت مجانا الناموسيات المشبعة ، وهي نفس المؤسسات التي وفرت مجانا علاج السل الرئوي ،وهي نفس المؤسسات التي حاصرت مرض السيدا بتوفير لقاح ARV ،وهي نفس المؤسسات التي تشرف على برامج كثيرة وهامة ولا غنى عنها ..طبعا هم لا يفعلون ذلك بسبب نبلهم او تقواهم على الأرجح ، بل الادراكهم عبر ما قاموا به من أبحاث ان العالم يواجه تحديات هائلة وأنه بسبب ترابطه لا فرصة فيه لاحد في النجاة بنفسه دون الاخرين، فإما أن ينجو كله او ينهار كله ..
المسؤولون في الحكومة عن هذا الأمر والقيمون على البرامج المرتبطة به أغلبهم لا يفهم أبعاد هذه الأمور ولا خلفياتها ، وبعضهم يفكر بنفس أسلوب العامي فهو يعتقد ان الامر هو بالفعل هجوم على الدين وخلخلة للمجتمع ،وبالتالي فاغلبهم يساير هذه القضايا طمعا فقط في ما وراءها من تمويلات وبرامج واسفار إلى الخارج ..وهكذا تضيع هذه الفرص التنموية حيث يحولها المسؤولون الحكوميون إلى مجرد تمثيلية لخداع المؤسسات الدولية ، أما المثقفون فيحولونها إلى معركة بين موالين للغرب مخدوعين فيه (مثلي انا ) و آخرين يقدمون أنفسهم حراسا للعقيدة وحماة للمجتمع … وفي نهاية المطاف، إذا صدر تقرير دولي تنموي طبقا لمؤشرات التقدم في مجالات معينة مثل التعليم والصحة وأمور كهذه ،إذا نحن في ذيل اللوائح ،فيبدأ بعضنا يصرخ في وجه بعض ، وبعضنا يوبخ الحكومة، بينما يبدأ الذين كانوا يمثلون على المؤسسات من موظفين ومسؤولين في النفي واختلاق الأعذار ..والجميع في الجرم سواء