الأردن: هيا بنا نركب حافلة «الإرهاب» | بسام البدارين
لا أرى سببا من أي نوع لاستثمار الرفاق أو غيرهم في لحظة الألم والوجع عبر محاولة الربط البائسة بين موقف رموز في الحركة الإسلامية الأردنية من المهرجانات الثقافية مثل جرش والفحيص وبين الإرهاب أو تلك المجموعات المختلة التي تزرع عبوات ناسفة أو تنطلق من تكفير المجتمع والسلطة.
ولا أرى أي احترام لدماء الشهداء أو لفكرة الحقيقة في ذلك الرأي العلماني المتشنج الذي يطالب السلطة باقتحام أو إغلاق مراكز حفظ القرآن الكريم باعتبارها مدارس ابتدائية في تعليم التطرف والتشنج وصناعة وانتاج الإرهاب.
رأيان بعيدان عن الواقع لا يختلفان فكريا على الأقل عن أي منهج متطرف يريد احتكار الحقيقة أو تزييف الوعي سواء ارتدى عمامة إسلامية أو حمل المنجل الشهير الخاص بالماركسية أو حتى تحدث بذلك اللسان العلماني الجانح للتشدد والذي يريد حرمان الجميع من حقهم في العقيدة.
بكل حال لست معنيا بمدرسة الإخوان المسلمين في العمل الاجتماعي والسياسي ورموز هذه الجماعة في الأردن وغيره سبق لبعضهم أن ارتكب حماقات.
ولدينا عليهم مئات الملاحظات وعلى نحو أو آخر أوافق على الاستنتاج القائل إن حركات الإسلام السياسي وعندما تتقمص دور المعارضة في الشارع العربي لا تملك رؤية حضارية أو مدنية، وبالتالي قد تكون الوجه الآخر لسلطة القمع والاستبداد لكن في الحالة الأردنية على الأقل لا بد من الإقرار أن الحركة الإسلامية من العناوين الأبرز في استقرار المملكة واعتدال المجتمع.
ولا بد من الإقرار أن استهداف الحركة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين بسلسلة طائشة من الانشقاقات والمضايقات وإبعاد الخطباء والوعاظ التابعين لها عن المنابر والمساجد خطوات بعيدة تماما عن الحكمة ولا معنى لها وقدمت مساهمة اساسية لخدمة التطرف والتشدد والإرهاب.
لا أزال من المؤمنين وبصرف النظر عن أفكار أحزاب الإسلام السياسي أن تهميش وإقصاء الاعتدال في الحالة الأردنية تحديدا لا يخدم الدولة أو النظام أو المجتمع أو حتى الأمن بقدر ما يخدم تلك المجموعات الظلامية التي يتم تسمينها وتغذيتها مرة باستمرار الطرق على المعتدلين حصريا ومرة في إطار مغامرات التوظيف الامني والسياسي في ساحات مجاورة.
الأخطاء التي تؤدي إلى بقاء ونمو واستمرار التطرف في مجتمع مسالم ومعتدل وإسلامي الهوية أصلا مثل المجتمع الأردني، من بينها إقصاء التيارات المعتدلة والتي اختبرت في المفاصل وكانت مع البلد والاستقرار والناس والدولة مثل الإخوان المسلمين، فعندما تستهدف الاعتدال من الطبيعي أن يقفز في وجهك التطرف والتشدد والغلو.
لكن الأخطاء في هذا المجال كثيرة ومتعددة فأمراض البيروقراط الأردني طالت حتى استراتيجيات مكافحة التطرف والإرهاب حيث تعدد الآباء والمرجعيات وتشكيل لجان وإدارات خاملة متكلسة لا تعمل ولا تستطيع أن تعمل وحيث تهميش للكفاءات وأصحاب الخبرة وحيث تراجع حاد في نظام التعليم وقصور في مواجهة الفقر والبطالة وأسباب متعددة من هذا النمط تساهم في عدم وضوح ولا استراتيجية واحدة عميقة وعليها العين ويمكن أن تنتج لمكافحة التطرف.
مخجل جدا أن نكتشف كأردنيين أن المجرم الذي قرر الانقلاب على أهله ووطنه في مدينة الفحيص منارة الثقافة والحضارة هو والمنحرفون معه التحقوا متأخرين فيما يسمى بالتيار التكفيري، وهم ليسوا اكثر من فتية مساكين انحرفت البوصلة بهم، ولم يجدوا شيئا محددا يفعلونه في الوطن إلا الانقلاب على شعبهم واستهداف أجهزتهم الأمنية والبحث عن حافلة الإرهاب لركوبها.
مخجل جدا أن تتمكن فكرة متشددة وظلامية من استقطاب ثمانية شباب على الأقل أكثر من نصفهم طلاب في الجامعات بعدما تراكم الإحباط العام ولم يجدوا أحدا في الدولة يخاطبهم أو يساهم في تنوير عقولهم أو يشغلهم كشباب بما ينفع الناس أو يمكث في الأرض.
هؤلاء ضحايا مسؤوليتهم تطال الجميع ومن غير المعقول أن تتشكل سبع مؤسسات ولجان في سبع مواقع للقرار تحت مسمى إجراء دراسات ضد التطرف في المجتمع الأردني فيما لا يجد الباحث وثيقة واحدة بعدما انفقت الملايين على هذه اللجان يعتد بها ويمكن الاستناد إليها في فهم المشكلات ووضع وصفة لمعالجتها.
التعامل مع مثل هذه اللجان غريب ومزعج ومقلق لأن رئاسة هيئة أو لجنة معنية بمكافحة التطرف والإرهاب في المجتمع الأردني خضع لنفس امراض المحاصصة ويتم اختيار اشخاص غير مؤهلين ويمطرون الجميع بسلسلة من الأكاذيب عبر أوراق عامة ينقصها العمق ودون خطط تنفيذية حقيقية ومليئة بالتشخيص الوهمي الذي يجامل المؤسسات والسلطة أكثر ما يضع صاحب القرار المرجعي والسياسي بصورة الحقيقة.
مشهد أُمهات الشهداء من رجال الأمن الأردنيين الذين دفعوا حياتهم ثمنا لأمننا جميعا يدمي القلب ومشهد خيرة من رجال الأمن والعسكر وهم يسقطون بسبب حرفية الإجرام والإرهاب وضعف التنسيق والقصور في التكتيك يؤذي مشاعر الأردنيين ويجرح كرامتهم، فلا يوجد مختل أردني أو مستورد من هؤلاء المتطرفين يستحق ولو قطرة دم واحدة من ظفر عسكري أردني، وواجب الدولة أن تضع الخطط اللازمة للوقاية التكتيكية حتى لا تهدر أرواح الأمن والعسكر مجانا.
وواجب الدولة قبل كل شيء التحدث مع المنحرف والمختل قبل انحرافه وفتح صفحة صدق جديدة في المواجهة تتميز بالشفافية والاعتراف بتراكم الأخطاء بدلا من الاسترسال في كلاسيكيات الرثاء الوطني والانتماء والولاء فقط وبدلا من ترك المجتمع نهبا للمختلين فيه الذين لا بد من محاورتهم قبل وصولهم إلى زوايا انحراف حاد.
المصدر القدس العربي