الشمس ترقص غدا / النانه لبات الرشيد
تقطن ذاكرتي صور جميلة لا تقبل النزوح، منها تلك التي تأخذني لسنوات طفولتي، حينما كنت أستيقظ فجرا على صوت جدتي الحنون، تحثني على نيل الفرح، فالشمس سترقص عند الشروق احتفالا بعيد مولد خير البرية.
كنت أجلس القرفصاء خارج البيت، قبالة الشروق، شعري المجعد منكوشا، بالكاد يمكنني فتح جفوني المتورمة من فرط نوم طويل ثقيل، أنتظر بزوغ الشمس بين خيوط الفجر الساحرة، لأتابع رقصتها المثيرة، كانت الرقصة تلك تغير في ألوان أشعة الشمس من أخضر إلى أزرق، برتقالي إلى بنفسجي..بحركة سريعة لا تمهل الأهداب عن التداخل.
و أعترف الآن بعد كل هذه السنوات، و التي تخليت فيها دون قصد مني عن متابعة رقصة الشمس السنوية، أني لا أدري حقا هل كانت الشمس ترقص أم أن الأمر يخيل لي، و لم أسأل جدتي يوما عن حقيقة الأمر، و هل تعتقد ذلك أم أن الأمر كله حلقة من عبث الكبار بعقول الأطفال، و محفزات لأشياء معقدة بأساليب مثيرة..
و لكن الشمس ترقص فعلا كل سنة من يوم و شهر مولد النبي محمد عليه الصلاة و السلام، كنت أستطيع رؤية تلك الألوان البهية و أخالها تدور حول نفسها برشاقة متناهية، و حق للشمس تحديدا الرقص و المرح و قد غمر أشعتها ضوء الهدى الساطع و أضاءت أنواره المبهرة البشرية جمعاء بعد ظلام الجاهلية الدامس.
لا يمكن أن يمر الثاني عشر من ربيع الأول كأنه يوم عادي و لم يكن كذلك، و نحن أحباب النبي محمد صلى الله عليه و سلم الذين أبكاه شوقه إلينا ، اتبعناه و بيننا و بعثته أربعة عشر قرن و زيادة.. حاضر فينا، نتسابق الدعاء لنيل رؤيته في المنام.. و يسكننا وله وشغف زيارة مسجده و روضته الطاهرة، نصلي عليه عبادة و محبة و ندرك صفاته وخصاله كأننا صحابته و قومه الأقربون.
ما زلت أحافظ على صمم مقصود عن فوضى الفتاوى التي تجتاح أمتنا عن احتفال مولد سيد البشر و خاتم الأنبياء، كأنهم يخالوننا نوقد الشمع حول صحون الكعك تقليدا أو أننا سنقضي ليلة الميلاد في رقص و عربدة.. هذا الميلاد لا يشبه غيره من السابقين و لا اللاحقين و حاشاه من الشبه و المثال، هو محمد عليه الصلاة و السلام من لا نبي بعده، إمام الأنبياء و الرسل و خير ولد آدم.. هذا الذي يحق للبشر جميعهم تذكر مولده و معرفة سيرته و حفظ ما أوحي له و الاقتداء بنهجه و طلب شفاعته.
سنمدحه بأهازيجنا و نولم صدقات و قربى لمحبته، و تخضب نسوتنا أيديهن بالحناء و نتزاور و نردد بأن الغد عيد ” المولود” كما نسميه، مولد النبي محمد عليه افضل الصلاة و السلام، سنحتفل بالمولد النبوي الشريف إبداعا لا بدعة و دعوة تقرب لا نفور.. القول بعكس هذا ليسمع صاحبه:
11 تعليقات