السقوط المهني لحمالة الحطب / ساعد الثبيتي
التخلي عن الحياد والموضوعية والصدقية في مهنة الإعلام هو السقوط الحقيقي للقيم والمبادئ، ومن الأمثلة على هذا السقوط؛ قناة الجزيرة ومن على شاكلتها من المؤسسات التي ولدت مؤدلجة، ونشأت وترعرعت على الفتن وتبنت المؤجرين من الإعلاميين الذين ليس لهم وطن ولا قيم إلا المال.في قمة مجموعة الدول العشرين المنعقدة أخيراً في الأرجنتين، كانت وسائل الإعلام المهنية كافة تترقب ما تتمخض عنه القمة التي يجتمع فيها زعماء 20 دولة ذات ثقل اقتصادي من نتائج تصب في مصلحة الاقتصاد العالمي، عدا «حمالة الحطب» وقناة الفتنة التي كانت عدساتها تلاحق عرّاب الرؤية السعودية الأمير محمد بن سلمان لترصد من يصافحه من الزعماء بحرارة على حد قول مراسلها في القمة، وكانت الصفعة لها قوية، إذ لم يستطع مخرج البث المباشر حجب مصافحة الكبار بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتن وولي العهد السعودي التي لم تكن الجزيرة تتوقعها.
انكشفت الأقنعة للقنوات الإعلامية المسيسة والمؤدلجة التي وُجدت لنشر الفتن ودعم الإرهاب وتجييش الشعوب وزعزعة الأمن للخروج على الحكام، وتخلت عن أخلاقياتها في التعامل مع القضايا العربية من منظور مهني.
يتطابق حال كثير من القنوات الإعلامية التي تتبنى سياسة أكذب ثم أكذب ثم أكذب حتى يصدقك الآخرون مع قصة الراعي والذئب الشهيرة، الذي كان يدّعي يومياً أن الذئب هاجم أغنامه ولكن سرعان ما سئم منه سكان القرية ولم يعودوا يستجيبوا له، حتى جاء اليوم الذي هاجمه الذئب وكاد يخسر حياته عندما فقد ثقة من حوله.
أزمة الصدقية لوسائل الإعلام ليست حديثة العهد، فمنذ الثمانينات والتسعينات والدراسات العالمية تشير إلى أن هناك تضاؤلا في صدقية وسائل الإعلام؛ على رغم جهود تلك المؤسسات الإعلامية للحفاظ على صدقيتها، أما اليوم في ظل الإعلام المسيس وانتهاك القيم والأعراف أصبحت الصدقية رقماً صعباً لدى كثير من المؤسسات التي تخلّت عن مهنيتها.
في أخلاقيات العمل الإعلامي، هناك خط فاصل بين نقل الحقائق المجردة وفرض الآراء والتوجهات، فالإعلام لا بد أن يكون متجرداً شريفاً، يتعامل مع الأحداث بقدسية لا تقبل التحريف والتشويه، والمجتمعات اليوم لا تريد من الإعلام إلا الحياد تجاه قضاياها.
من عهدة الراوي:
العداء الذي تكنّه قناة الجزيرة لدول المنطقة وحكامها وشعوبها وعلى رأسها المملكة تجاوز سياساتها المؤدلجة إلى أدواتها من المؤجرين الذين جلبهم المال، فلم يكتف العاملون فيها بأداء المهمة التي تفرضها عليهم الاحتياجات الوظيفية داخل أسوار المؤسسة، فحولوا منصاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي لتنفيذ أجندة قناتهم المشبوهة في نشر الفتنة ومهاجمة الرموز العربية وانتقاص الشعوب والتحريض على الإرهاب.
أجزم أن كثيرا من هؤلاء المؤجرين الذين تم شراؤهم، سيتبدل حالهم كالعادة بمجرد انتهاء عقودهم الوظيفية مع تلك القناة التي تفرض عليهم توجهاتها، وهذا هو حال الأجير الذي يضع نفسه وفكره تحت تصرف المال، ويتحول من حال آخر مع تحول مصدر الرزق.
جريدة الحياة
7 تعليقات