الخِطَابُ الحُقُوقِيُ:مَكَاسِبٌ،إِخْفَاقَاتٌ و اقْتِرَاحَاتٌ/ المختارولد داهى،سفير سابق
حضرت مساء الجمعة 25يناير 2019ندوة منظمة من طرف مركز “الأواصر”تميزت بالتوازن -النادر فى زمان موريتانيا هذا-إذ كانت الندوة متوازنة فى صياغة موضوعها “الخطاب الحقوقي:المكاسب (من جهة) و الانزلاقات(من جهة أخرى)،متوازنة أيضا من خلال التنوع العرقي و الشرائحي و المستوى العلمي الرفيع لرئيس الندوة و محاضريها.
و قد أتاح لى رئيس الندوة-مشكورا مذكورا-التعليق على أعمال الندوة فنبهتُ إلى واجب الحذر من التعريف المُطَفّفِ-موضوعا و فاعلين ،مركزا و أطرافا- لمصطلح الخطاب الحقوقي واقترحتُ أن يُعَرّفَ الخطاب الحقوقي بأنه”الخطاب المُوجه لتشخيص التفاوت الحقوقي بين الأعراق و الشرائح و المناطق و اقتراح العلاجات المناسبة لردم هَوّاتِ ذلك التفاوت الحقوقي”.
كما نوهتُ بالمكاسب التى أحرزها الخطاب و النضال الحقوقي بالبلد و الذى مَثّلَ أحد مشاغل كل الحركات السياسية و الإيديولوجية التى عرفها هذا البلد(و من أوكدها الحركات القومية العربية) مع حفظ الفارق و التفاوت الراجحين لصالح كفة بعض الحركات و الأحزاب التى كان قادتها أو أغلبهم من المنتمين إلى “الشرائح ذات الاحتياجات الحقوقية”(حركة الحر،حركة الكادحين،حزب التحالف الشعبي التقدمي،حزب العمل من أجل التغيير AC، تحالف الصواب-إرا،حزب الوئام،،..).
و سجلتُ فى هذا المقام أن أهم المكاسب التى حققها الخطاب الحقوقي هو تحقيق إجماعية الطيف السياسي الموريتاني على تصنيف “المسألة الحقوقية/الشرائحية” فى المرتبة الاستعجالية الأولى أهميةً و درجةً و اعتبارًا بما يستتبع ذلك من اعتبار معالجة المسألة الحقوقية الطريق الآمن “السريع”و الرئيسي للاستقرار و النماء و ما عداه بُنَيّاتُ و فُرُوعُ طريق.!!!
أما بخصوص انزلاقات الخطاب الحقوقي و المآخذ عليه فقد ذكرت منها ثلاثة مآخذ:
أولا-استخدامُ الخطاب الحقوقي أحيانا قاموساً”قضائيا”،”مَحَاكِمِيٌا”، تجريميا: يتميز الخطاب الحقوقي غالبا بالتشنج و باستخدام قاموس قضائي “مَحَاكِمِيٍ” يُحَمِلُ نظاما معينا و شريحة مخصوصة إثم و مسؤولية التفاوت الحقوقي و هو ما شكل خصما من إجماعية و شرعية الخطاب الحقوقي الذى لو سلم من استخدام القاموس المَحَاكِمِيِ لكان أسرع ملاذا إلى قلوب كافة الموريتانيين و لما اصطدم بكوابح من تهم التطرّف و العنصرية،…
ثانيا-ملاحظة أن الخطاب الحقوقي أحيانا كثيرة ظاهره حقوقي و باطنه سياسي: أدى الخلط بين النضال الحقوقي و العمل السياسي إلى شيطنة النضال الحقوقي و الإضرار به و ذلك من خلال بث دعايات-صدقتها بَيِنَاتٌ و مشاهد-مفادها أن العمل الحقوقي ظاهره حقوقي و باطنه سياسي؛
ثالثا-استقواء بعض حَمَلَةِ الخطاب الحقوقي بالخارج: لعل أشنع عثرات الخطاب الحقوقي هي استقواء بعض حَمَلَةِ هذا الخطاب -و لا أقول كلهم و أستحيى أن أقول جلهم- بجهات أجنبية منها غير الصديق للوطن الموريتاني و منها العدو المسْتَتِرُ و العدو الظاهر لموريتانيا و للمسلمين و العرب و الإنسانية جمعاء.
و بعد أن بيّنت مكاسب الخطاب الحقوقي المُنَاضِلِ – و ما هي بقليلة- و أوضحت انزلاقات و عَثَرَاتِ الخطاب -و ما هي بخَفِيفَةٍ- ختمتُ مداخلتى بثلاث اقتراحات أولها : واجِبُ ترشيد الخطاب الحقوقي و لن يتم ذلك إلا من خلال توسيع و ترفيع مستوى حَمَلَةِ الخطاب و النضال الحقوقي بانتساب عِلْيَةِ القوم من العلماء الربانيين و النبهاء العلميين و الأعلام السياسيين إلى دائرة النضال الحقوقي من أجل المساهمة فى “مُوّارَاةِ سَوْءَةِ” خفايا الاسترقاق و بقايا رواسبه.
أما ثاني الاقتراحات فهو ضرورة سَنِ “قانون العزل” بين النضال الحقوقي و الممارسة السياسية على الأقل مدة خمس أو عشر سنوات كي نغسل العمل الحقوقي من شبهات الاستغلال السياسي التى كثيرا ما تُسَلّطُ كسيف دَامُوقْلِيسْ على رؤوس المناضلين الحقوقيين.
ثالثُ و أَخِيرُ الاقتراحات هو مطالبة المترشحين للاستحقاق الأكبر (الانتخاب الرئاسي المنتظر)بجعل الخمسية القادمة خمسية حقوقية بامتياز حفاظا على بيضة الأمة و استعدادا لثروة غازية و نفطية لن تكون نعمة إلا بعد توفر شَرْطَيْ تطبيع المشهد الاجتماعي و الحقوقي و تحصين النموذج الديمقراطي بالتداول السلمي على السلطة.