تركيا واللعب مع الكبار
أراقب بشغف الأزمة الدائرة بين أميركا وتركيا بخصوص صواريخ إس 400 الروسية، التي قال الروس إنهم اتفقوا على تسليمها للأتراك في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، فيما يرفض الأميركيون بشدة أن تتم هذه الصفقة، معللين ذلك بقدرة هذه الصواريخ أن تطّلع على البيانات في الطائرات الأميركية، ولعل أولى العقوبات على هذه الصفقة هي أن الأميركيين لن يُتموا صفقة تسليم الطائرات المقاتلة إف 35 للأتراك.
يحتج الأتراك بأن هذه الصواريخ لن تستطيع قراءة البيانات في المقاتلات الأميركية، لكونها غير مصحوبة بالتقنيين الروس، فيما يؤكد الروس عكس ذلك بقولهم إن الصفقة تضم وجود الخبراء الروس لإدارة هذه الصواريخ، وفي الوقت نفسه يصر الأميركيون ويؤكدون على صحة التصريحات الروسية.
عندما تكون عضواً مسهماً في «الحلف الأطلسي» فإن هذا يعني الكثير لك، لكنه في المقابل يتطلب كثيراً من التضحيات، منها: عدم الاستقلالية، وبالذات لأي دولة غير أميركا، فالقوة تفرض نفسها وليس هناك مجال للنقاش مع الأميركيين بأسلوب المنطق، فالمنطق لديهم مختلف عن المنطق لدى دول العالم.
من جانب آخر، فالشخصية التركية وبالذات أردوغان تحلم دائماً بالأمجاد السابقة وتطمح لإعادتها، على رغم أن المعطيات والإمكانات لا تساعد، فضلاً عن أن الظروف تغيرت، لكن أردوغان جهلاً منه أو مكابرة أو تجاهلاً لا يفرق في كيفية التعامل مع الأميركيين عن غيرهم، ولم يستوعب بعد أن «العم سام» يختلف تماماً عن الشعوب العربية والإسلامية التي يشبعها الكلام أكثر من الأفعال، مع التسليم بأن الأمر يتجاوز شخصية أردوغان، فمن الأسباب هو الأتراك يريدون – كشركاء في الناتو- أن تعاملهم أميركا بمحاباة في ما يخص الأكراد وسورية.
أميركا من جهتها لها حساباتها هي الأخرى، فهم يدعمون الأكراد حالياً لمصلحتهم وليس حباً لهم، وفضلاً عن ذلك فحجة الأتراك واهية كونهم في الحلف الأطلسي، فأميركا لم تتدخل في النزاع اليوناني – التركي حول قبرص، مع أن الأتراك هم الطرف الأقوى في المعادلة ولا يزال مسيطراً على ما يسمى الجزء التركي من قبرص.
إن أصر الأتراك على الاستمرار في الصفقة مع روسيا فإنهم سيفقدون الأميركيين، وبالتالي فإن رد الفعل سيكون وخيماً جداً، بينما إن ألغى الصفقة مع الروس فستسوء العلاقات مع الروس، وهي أيضاً خسارة كبيرة بالنسبة إليهم خاصة بما يجري على الأراضي السورية.
قبل أيام ورد في بيان للخارجية الأميركية الذي نشر في أعقاب لقاء بين وزيري الخارجية للبلدين (الأميركي والتركي)، أن بومبيو حذّر نظيره التركي من «التداعيات المدمّرة المحتملة لأيّ عمل عسكري تركي أحادي» في سورية، سواء للأكراد أم للأقليات الدينية، إذ تهدّد أنقرة منذ أشهر بإطلاق عملية عسكرية ضدّ المسلّحين الأكراد السوريين الذين تعتبرهم «إرهابيين»، لكنّهم متحالفون مع واشنطن في القتال ضدّ «داعش»، وكانت أنقرة قد اعتبرت على لسان مسؤوليها أن نصّ البيان لا يعكس حقيقة الحديث الذي دار بين الرجلين، لكن واشنطن سارعت إلى الردّ، مؤكدةً تمسكها «بكلّ كلمة» وردت في النصّ.
وقال المتحدث باسم الخارجيّة التركيّة حامي أكسوي إن «البيان الذي نشرته الخارجية الأميركية والذي من الواضح أنه حُضّر قبل لقاء وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو مع مايك بومبيو، لا يُقصّر في عكس حقيقة مضمون اللقاء فحسب، بل يتضمّن أيضاً مواضيع لم يجرِ التطرّق إليها»، فيما أضاف في بيان أن «تحالفنا يتطلّب بطبيعة الحال أن يتمّ تحضير البيانات المماثلة بعناية أكبر»..
وعلى رغم النفي والاستياء التركي الشديد، إلا أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو سارع لتأكيد تمسّكه بكل كلمة وردت في بيان وزارته حول اللقاء الذي أجراه الأربعاء الماضي مع وزير الخارجية التركي.
وقال الوزير الأميركي خلال مؤتمر صحافي في واشنطن: «لقد قرأت نصّ البيان وأنا متمسّك بكلّ كلمة وردت فيه».
حلم الأتراك بالوقوف مع أميركا أو روسيا أو الصين يصطدم بافتقاره للقدرات والإمكانات المالية والتكنولوجية واللوجستية، مما لا يتيح له لعب دور أكثر من مساعد، بل ولربما يُنتزع منه هذا الدور، وهذا هو نتيجة حتمية للعب مع الكبار.
أحمد الحناكي والمقال للحياة
تعليق واحد