من وحي مهرجان شنقيط: الصفحة الغائبة من أسطورة النشأة
هناك في سجل أساطير نشأة مدينة شنقيط التاريخية، صفحات مغيبة-عمدا، أو سهوا- ترتسم بقراءتها صورة أخرى مفترضة، ربما كانت اقرب إلى الحقيقة، للبدايات الأولى لقيام تلك القلعة العلمية التاريخية التي قدر لها ان تبسط اسمها على معظم أجزاء القطر الذي عرف قبلها ومعها وبعدها بأسماء كثيرة اخرى اعلاها ذكرا بلاد التكرور؛
نقرأ في تلك الصفحة المعيبة ان الرمال الزاحفة التي تدفن أغلب شواهد التاريخ بين تلك الهضاب، وتحاصر ما تبقى من عهد شموخها التاريخي، كانت ذات عصر سحيق، واحة ظليلة غناء، تخترقها جداول مياه رقاقة لا تنضب، أمدها أخاديد غزيرة المياه، طوال العام؛
بتلك الصفات والميزات النادرة، كانت ملتقى للقوافل التجارية الغادية الراىحة، والتي كانت وسيلة الربط الوحيدة بين حافتي الصحراء الكبرى، شمالا وجنوبا، وكانت تلك الواحات محطة شبه إجبارية لها، منها تستقي وتسقي الجمال والخيل والبغال والحمير، وتتزود بالماء لمواجهة المفازات المعطشة،
في ذلك العصر كان سكان “آدرار” وهو الجبل ببعض لهجات البربر، خليطا من الأفارقة السمر، غالبيتهم من السوانك والبافور، تجاورهم مجموعات من الأمازيغ، ومع الوقت اقتربت تلك المجموعات بعضها من بعض، مشكلة فصيلا واحدا تكلم لغة تأخذ من كل لغاته الاصلية، وعرف ذلك الخليط في التاريخ بالآزير ، بإمالة كبرى، وغلبت على لغته المشتركة السوننكية.
كان وصول القوافل موسما اقتصاديا جاذبا للأفراد والعائلات، حيث تروج النشاطات والخدمات، فكان النساء في أيام الصيف القائظة، يقارن الشراب البارد بما تحمله القوافل من ملح وتمر وحبوب، فكان يجتهدن في طرق ووسائل تبريد وتحلية مشروبهن ومتجه نكهات طيبة منعشة، قبل تقديمه للمبادلة، فكن يعمدن إلى تحميص(قلي) بعض الحبوب الزكية الرائحة، ثم يخلطن طحينها ببعض البهارات المهدئة الطيبة، يسكن عليها الماء من برادات الصحراء(القرب) فتظهر فيها دوائر بالوان الخليط المختلفة؛ لذلك سمينها بلغتهم الآزيرية ” سنكتي” أي عين الفرس.
وهكذا، مع مرور الوقت، عرفت محطة القوافل المميزة تلك بشراب بارد شهي مغذ، قيل إنه كان ربما أسكر أحيانا، هو شراب “سنكتي” وبه كانت تلك الواحة محطة إجبارية للقوافل العادية الرائحة، فما لبثت أن حملت اسم مشروبها المميز ؛
بتلك المميزات، وبالحركية الاقتصادية التي تغذيها المبادلات مع القوافل، نشأت بوادر قرية بدائية، حملت اسم المشروب الذي خضع لتغيرات بسبب اختلاف اللهجات، ثم انتقلت من مواقعها الأولى، وقد دفنتها الرمال الزاحفة وموجات الجفاف والتصحر، الي الموقع الحالي الذي قدر له أن يكون واحدة من أهم حواضر الصحراء التاريخية، وأن يصنف اليو تراثا إنسانيا عالميا:
الحسن مولاي علي