من تاريخ الانتخابات في موريتانيا/ سيدي أحمد ولد الامير
في اليوم الثامن من مايو 1949 جرى الشوط الأول من الانتخابات الجزئية المحلية للمجلس الاستشاري العام لموريتانيا الخاص بدائرة “تگانت العصابة”، وذلك في سبيل اختيار مستشار يمثل هذه الدائرة ويحل محل المستشار في الاتحاد الفرنسي السيد ادّي ولد الزين الذي توفي رحمه الله في حادث مفاجئ بباريس في مايو 1949. وبما أن أيا من المرشحيْن الاثنيْن لم يحصل على الأغلبية البسيطة في الشوط الأول فقد تم اللجوء إلى شوط ثان بتاريخ 29 مايو 1949.
وقد تقدم لهذا الاقتراع مرشحان هما: محمدِي ولد دحود، وهو مترجم في الإدارة، وينتمي لحزب الوئام العام الموريتاني (المتأسس سنة 1949) والذي يرأسه أحمدُّ ولد حرمه ولد ببانا، النائب حينئذ عن موريتانيا في الجمعية الوطنية الفرنسية.
أما المرشح الثاني فهو: سيدَّه محمان، وهو طبيب بيطري يعمل في كيفه، وكان من أبرز السياسيين المعارضين للزعيم أحمدُّ ولد حرمه، وقد رشحه الاتحاد التقدمي الموريتاني (المتأسس سنة 1947)، وهو الحزب السياسي المقرب من الإدارة الفرنسية. وقد حصل محمان في الشوط الثاني على 1721 صوتا مقابل 378 حصل عليها ولد دحود. ويبلغ مجموع المسجلين في ذلك التاريخ بدائرة “تگانت العصابة” 4825 ناخبا، وقد صوت منهم 2099 فقط.
وفي 31 مايو 1949 أي بعد يومين من الاقتراع تقدم ولد دحود بشكوى أمام المدعي العام للجمهورية بمدينة سان لويس (اندر) ضد الإداري الفرنسي غابريل فيرال حاكم دائرة العصابة وضد غوجيه حاكم مقاطعة امبود بنفس الدائرة متهما إياهما بتشجيع وتنسيق التزوير لصالح منافسه. وفي نفس السياق، وفي 30 أغسطس 1949 قدم حاكم امبود غوجيه شكوى من النائب أحمدُّ ولد حرمه ومن المرشح ولد دحود متهما إياهما بتشويه سمعته في مقال منشور في العدد الأول من جريدة “باريس موريتانيا” (Paris Mauritanie) نصف الشهرية، الصادر بتاريخ 15 يوليو 1949، وكانت تلك الجريدة تعتبر حينها لسان حال النائب ولد حرمه. وكان كاتب المقال المذكور ولد دحود نفسه. ويذكر الإداري الفرنسي غوجيه أن مقال ولد دحود يحتوى على ست مغالطات في حقه هو وفي حق غابريل فيرال.
وفي 7 أكتوبر 1949 قدم فيرال، الذي كان تلك الأسابيع في إجازته السنوية، شكوى من السيدين ولد حرمه وولد دحود، وتتركز هي الأخرى على نفس الدعوى ونفس المقال. وقد أورد فيرال في شكواه إفادات لشخصيات قال إنها تشهد بعكس ما هو مذكور في المقال.
وفي تطور لهذا القضية اقترح الإداري غوجيه سحب شكواه من السيد ولد حرمه وولد دحود بشرط أن تنشر جريدة “باريس موريتانيا” مقالا جديدا يصحح ويصوب ما ورد في مقال ولد دحود، لكن هذا الشرط لم يتم.
وقد حدث هذا الانتخاب في عهدة الوالي الفرنسي العام في موريتانيا هنري دو مودوي (De Mauduit) الذي حكم بلادنا سنة ونصف السنة وغادر سان لويس في 7 أغسطس 1949. وكانت علاقة “دي مودوي” متوترة جدا بالنائب ولد حرمه، وستعرف تلك العلاقة هدوءا نسبيا مع خلف “دو مودوي” الوالي العام لويس تيراك (Louis Terrac) لكنه لم يمض واليا على بلادنا إلا سنة وشهرا فتركها في سبتمبر 1950، ليأتي الوالي جاك روغي (Rogué) ويقضي سنة وستة أشهر من التوتر والتجاذب مع النائب ولد حرمة.