الأردني انتقل متأخراً من مخاطبة الحكومات لمخاطبة الملك.. عليه أن لا يتأخر بنقل مخاطبته للملك إلى مخاطبة الحالة السياسية.. لا شرق اوسط جديد قبل التغيير اللازم في الأردن لطوي الملف الفلسطيني
المسائل السياسية والاقتصادية والادارية والعسكرية في الأردن باتت اليوم حزمة واحده مترابطة وقرارها جهته واحدة. وما دونها من مسائل هي مظاهر من نتاج الحزمة، وأثار غالبيتها سلبية. جزئيات هذه الحزمه تؤخذ فيها قرارات يستحي بها ويعجز عن تبريرها أكثر الناس قربا وتعاونا مع النظام. ولا يشارك بقرارات هذه الحزمة أو يستشار بشأنها أي مسئول أردني على أي مستوى، ولا يوضع حتى بصورة الحدث إلا عند حدوثه. هذا تحول عميق وجديد في سياسة اتخاذ القرار بالمسائل التي لا تتعلق بخصوصية السياسة الخارجية المحتكرة للملك. فالملك حسين كان في أحلك الظروف يتذكر أن هناك دولة ودستوراَ وأركاناً للنظام وللدولة لا طراطير كما هو اليوم وما اود قوله أن الملك نفسه لم يعد شريكا حرا بقرارات الحزمة وإلا فنريد تفسيراً. وهذا يستولد عندي في غياب المعلومة مقالا تحليليا قادماً أعتبره هاما، يقوم على معطيات ملموسة لتحديد المصير السياسي المرسوم للدولة.
ما لا يؤخذ بالحسبان كحقيقه يتجاوزها المحللون للأحداث في الاردن ويجهلها أو يتجاهلها الكثيرون من الاردنيين هو أن اسرائيل كمرجعية لأمريكا بشأن الوضع والحالة الأردنية، ومرجعية للسياسة الخارجية الأمريكية فيما يخص الملف الفلسطيني والصراع العربي الاسرائيلي، أقول يغيب عنهم أن اسرائيل بصفتها هذه أنهت من حسابتها علاقتها الاستراتيجية مع النظام الأردني ممثلا بالملك ولم تعد شريكة له بل مستهدفة له وبصدد نزع الأغطية الرمزية عن الملك وإلباسها للسعودية. وعندما يقول الملك بأن علاقاته باسرائيل في أسوأ حالاتها فهذا صحيح تأخر قوله. لكن الذي لم يقله أن هذا السوء عميق لا ينبع من مواقف أردنية وطنية ولا من تقصير إزاء خدمة الاحتلال، بل من موقف اسرائيلي استراتيجي جديد وحالة أردنية جديدة شارك في صنعها، ولا يقابل الا بموقف وطني استراتيجي…
هذا التحول السياسي للملك بنظامه بما يترتب عليه من مستحقات سلبية معكوسة على الدولة وقراراتها غير الوطنية، يجب أن يكون حاضرا بما يفترضه من خطاب سياسي أولاً وجديدً ثانيا من قبل الأردنيين للحالة الأردنية ولكل موقف أو قرار فاسد سياسياً او اقتصادياً او إدارياً كان. فهذا المواطن الذي انتقل متأخراً بعد فوات الأوان من مخاطبة الحكومات الى مخاطبة الملك، عليه أن لا يتأخر في نقل مخاطبته للملك إلى مخاطبة الحالة السياسية الي يقبع فيها الملك والشعب والدولة. الملك ليس غافلا عما يحدث وعن الحقائق فقد وصل سَمَعه حد التشبع لكنه ليس في وضع لفعل شيء، إنه على سبيل المثال يفهم تماما بأن اتفاقية الغاز لا مبرر وطني اقتصادي لها وبأن مبررها سياسي اقتصادي اسرائيلي لخدمة المرحلة السائرين اليها. ولذلك فإن الضغوطات الشعبية في الشارع الأردني ومجلس النواب قد تلقى صدى عند اسرائيل بصفتها صاحبة العلاقة بالموضوع كسياسي / اقتصادي وصاحبة الإهتمام بهدوء الشارع الأردني في المرحلة الراهنة.
لقد كان اختيار الأمير عبدالله الثاني ملكاً بمثابة الصيد الثمين ً كشخص خامة طرية بالنسبة لهم للتشكيل المطلوب والتغير المزمع. إنه اليوم ليس بأفضل حال من شعبه من حيث الاستهداف وفقدان البوصله. وكما تَوَغَّط الشعب بربط هويته بالملك، توغط الملك سريعا بالإعتماد على أمريكا وربط هويته بها. وما كانت العلاقة يوما خلال العقدين الأخيرين سليمة بين الملك والشعب ولا بين الملك وأمريكا أو اسرائيل. وليست هناك من دولة في هذه الفترة مستهدفة لهما بالضغوطات الهادفة أكثر من الأردن. إن التكاملية الجغرافية والسياسية بين الاردن وفلسطين تُجسَّد اليوم مع الأسف بتكاملية المشروع الصهيوني. ولذلك من المتوقع أن لا يكون في محصلة المرحلة بالمفهوم الصهيو أمريكي فصلاً في الحدود بين عمان ورام الله وتل ابيب حتى في حالة الوطن البديل، وبسيادة ونفوذ اسرائيليين. ولن تكون ثروات فلسطين والأردن الباطنية إلا بيدهم.
.الأردن اليوم هو مركز الحدث لأمريكا واسرائيل ويعملان على إعادة هيكلته وربطه اقتصاديا باسرائيل بتحتانية ناعمة وحذرة دون ضجيج، وليست فلسطين الآن مركز الحدث بوقوعها كلها تحت الاحتلال المباشر بسلطة شريكة بوجودها وفعلها وبتمنعها عن الفعل، ولا سوريا المستباحة للصهيونية وكلابها الناهشة من العربان وغيرهم بصمت روسي، ولا العراق المدمر والمحتلة إرادته امريكيا وإيرانياً. فكل الأحداث والحالة القائمة في هذه الأقطار والمرشحة للبقاء كأسوب حياة فيها لسنين قادمه بالإضافة للأحداث في الإقليم هي في خدمة التغيير في الأردن على المقاس المتفق مع رؤية اسرائيل لطوي الملف الفلسطيني، ومن طرف واحد. فلا شرق اوسط جديد قبل ذلك.
بيئة الفوضى والانفلات والعنف المتوفرة في الأردن لا يضاهيها بيئة في مكان أخر في المنطقة، والشرارة تحت الرماد. أمريكا واسرائيل تريدان بقاء هذه البيئة وتريدان بنفس الوقت للشرارة نائمة بأيديهما وتحت السيطرة. ومن هنا فإن تنامي الوعي والحراك الحرين في الأردن خط أحمر لأمريكا والنظام. فالمطلوب لشعب غزة من الضغوطات لا يختلف عن المطلوب لشعب الأردن، لكن الكم السكاني الكبير في غزة محصور في مساحة صغيرة كالسجن يسهل التعامل معها بينما الكم السكاني للأردنيين بمكوناتهم منتشرأ على مساحة كبيرة ولن تكون مواجهته والتعامل معه سهلا.
إسرائل ساقطه عسكريا بالمقاييس العلمية والجغرافية والإنتمائية، بينما الأقطار العربية ساقطة عسكريا بسقوط سياسة أنظمة حكامها وخياناتهم التي لا تفسر إلا بالطعن في أصولهم اليهودية الصهيونية عندما تكون الكعبة المشرفة وقبر الرسول الأعظم والحرمين ليست في مأمن ولا بأيد أمينه وتكون القدس محتلة بدعمهم. أتساءل كأي مواطن، وأقول ماذا ينتظر الأردنيون من خير أو مستقبل. إنهم يطالبون بالإصلاح ومكافحة الفساد وبفرص العمل والعدالة الإجتماعية وحكومات ذات ولاية عامة وأخيرا بحماية الدولة والوطن. لكن عليهم أن يستوعبوا بأن أي شيء من هذا مستحيل تحققه مع هذا النهج السياسي الوظيفي. وأن تغييره يتطلب وجود شعب موحد المفهوم على أيدي عقلاء رجال ليصنعوا حراكا مسموعا مرجعيته مؤتمر وطني بحجم وشكل الوطن.
فؤاد البطانية-كاتب وباحث عربي والمقال لرأي اليوم
الوسوم
فؤاد البطانية21 ديسمبر 2019، 21:07 مساءً