نعم ارحمونا يرحمكم الله/ محمدن الرباني
تابعت ما كتبه الشيخ محمد الأمين مزيد في ملاحظاته الأربع السريعة، وقد بدت لي في الجملة –باستثناء الملاحظة الثالثة- ملاحظات صادقة وواقعية وتتحدث عن انحرافات بالغة الخطورة، تمثل تهديدا حقيقيا لحزب تواصل وللإسلاميين عموما.
كما تابعت ما كتبه الشيخ الرئيس محمد جميل منصور فبدا لي حاز من “أعظام الردمة” ما لم يكن له بمحوز، فما أظن جميلا من المعنيين بنسبة تذكر في هذه الملاحظات.
المعنيون –وإن كانوا تلاميذ الرئيس جميل- فإنهم ليس لهم من الحنكة والحكمة والعقل والفكر ما لجميل، لذلك عزفوا على ما لم يعزف عليه، وسلكوا ما لم يسلك!
بخصوص النقطة الثالثة يبدو ما تعقبها به الشيخ الرئيس جميل في محله في معظمه، فمستوى التحدي الذي يواجه الإسلام عموما والإسلاميين خصوصا، يجعل من الحكمة والحنكة تغييب الشعارات التي تسلط الأضواء وتستثير المطبات، والعمل بهدوء وهمس على تقليص الشر، وتهيئة أجواء الخير، وتقديم ما حقه التأخير بداهة، وتأخير ما حقه التقديم بداهة، والحد من ظاهرة التفكير بصوت مرتفع، ولعل التجارب التي تحقق مستوى من النجاح تؤكد هذه الحقيقة، كما تؤكدها التجارب المخفقة.
رغم ذلك فإن ما أشار إليه الشيخ مزيد من تأثر بعض الإسلاميين بالآراء الشاذة، واحتفائهم بمرجعيات خارجية ملاحظة في محلها، فإن في ناشئة الإسلاميين نابتة تجعل من الشنقيطي وأمثاله مراجع فكر وفقه، هي أعظم عندهم من كل مرجعية، وصفحاتهم بهذا ماثلة شاهدة. وحتى الشيخ الرئيس جميل يستشهد بكلامه في حد الردة وهو موقف واهي الأدلة لا يعتمد إلا على شواذ المسائل، وغرائب الاحتجاج، ومثل الشيخ جميل من يحسن به أن يربأ بنفسه على الغرائب والواهيات.
استعرض الشيخ مزيد في ملاحظته الأولى اتسام العمل الحقوقي في “نسخة الإسلاميين بعدم الشفافية بتبنى هؤلاء الحقوقيون أجندات المنظمات الحقوقية الممولةَ من الخارج ثم يلبسونها لبوس الصالحين، وشعارات المتقين”
رغم وجاهة هذه الملحوظة، تجاوزها الشيخ الرئيس جميل، وكأني بالقراء يتمنون لو أبرز الفرق بين ما يطرحه حقوقيون تواصليون من أمثال فلان وعلان وبهلان، ممن يعرفهم العامة والخاصة بمواقفهم التي تتقدم أحيانا على مواقف منظمات حقوقية مما تعج به صفحاتهم.
بعبارة أكثر وضوحا، من يستطيع التفريق في هذا المجال بين ما يكتبه فلان وعلان وبهلان التواصليون وبين ما يكتبه فلان وعلان وبهلان الإيراويون أو الإفلاميون؟.
وبعبارة أكثر بيانا، من يستطيع التفريق في هذا المجال بين مستوى الاهتمام بالقضية فيما يكتبه فلان وعلان وبهلان التواصليون الشموليون المفترضون، وبين ما يكتبه فلان وعلان وبهلان الإيراويون أو الإفلاميون في قضية هي مسوغ وجودهم أصلا؟.
إن لم يكن أبصر الناس بالفروق والموافقات والمقاصد قادرا على تمييز فروق بينة بين الطرحين فما التماهي فوق هذا؟
صحيح أنها قضايا محورية، وأن لها تأثيرا على السلم الأهلي، وأن الغبن موجود، والمظالم مسجلة، والحلول ملحة، لكن المصلح من ينبه على الخطأ ويرشد إلى تجاوزه ويسعى إلى ذلك، مركزا على المستقبل، أكثر مما يلتفت إلى الماضي، وهو مختلف عمن يوغر صدر المظلوم باستذكار الماضي، وتهويل نواحي الواقع -التي هي أعراض مشكلات أكثر مما هي مشاكل فعلا- عارضا ما من شأنه الإثارة. (وتدوين الصفحات محفوظة ومن استبان وجد البيان بما يناسب).
من الغرابة بمكان أن يتحول الإسلامي الوسطي الشمولي، إلى حامل هم جزئية، يكاد ينحصر اهتمامه فيها، وفي امتداداتها وتشعباتها!
إن نظرة الإسلاميين إلى المسألة العرقية؛ يلزم أن تكون أعمق وأرسخ من كونها صدى تشكيلات حقوقية أو سياسية، يجب أن تكون نظرة لا يمينية ولا يسارية، لا رجعية تنكر المظالم والغبن أو تقلل من شأنها، ولا ثورية انقلابية مزلزلة، ولا استنساخا لرؤى مغايرة.
إن أساس تمايز الحركات السياسية عموما، والإسلامية خصوصا يكون –غالبا- على أساس المساحات الممنوحة ظهورا أو ضمورا لقضايا ما، لصالح أو على حساب أخرى، فهل الإسلاميون اليوم بحاجة إلى تمايز؟ أم أن حاجتهم إلى أن يظلوا متحدين على شموليتهم واعتدالهم ومنطلقاتهم الصافية أكبر وأعظم، مما يستلزم طرح المواقف الشاذة من الديمقراطية والدولة الوطنية واللغة العربية والوحدة الوطنية والتدرج…!
أما الملحوظة الثانية، فإن الشيخ مزيد -وإن كنا نتحفظ على بعض عباراته في الفقرة- فإن الشيخ الرئيس جميل وغيره، يستعصي عليهم أن يفندوا هذه الفقرة من كلامه “هؤلاء الأفراد لا يتحدثون عن تعريب التعليم، ولا عن تعريب الإدارة. ولا عن أهمية اللغة العربية” فإن المقصودين بكلام الشيخ لا يعرف لهم دفاع عن اللغة العربية، بل ربما اتخذوا من مناسبات الدعوة إلى التعريب، ربطه بالقومية والشوفينية، وكأن لا علاقة للإسلاميين باللغة العربية، وأمثلهم طريقة من يسلك عند الرد والاستبراء مسلك ما بينه الشيخ الرئيس جميل، وذلك لعمري بعيد كل البعد عن المناصرة وحمل اللواء.
والطريف أن كلمة التعريب يراد لها أن تحمل معنى الفرض والقسر، وهو معنى لا تسعفه اللغة، فإن فعل في لغة العرب تأتي لمعان من أهمها التكثير والتحويل والتصيير والتوجه والتوجيه ولا تشترط القوة في شيء من ذلك، فمن يرفض التعريب كمن يرفض التعليم والتفهيم والتعظيم خيفة ما يتوهم من الفرض والقسر!
وعلى مستوى ملاحظة الشيخ الرابعة المتعلقة بالاستغناء “باللون والعرق عن الكفاءة والأمانة” فهي نتيجة طبيعية لمبدأ المحاصصة أقر بذلك من أقر به وأنكره من أنكره.
صحيح أن الأصل وجود الكفاءة في الجميع، والقدرة على الأداء في الجميع، لكن من التنكر للواقع والقفز عليه تجاهل التفاوت الكبير في ذلك، خاصة حين يتعلق الأمر بحزب كتواصل، وهنا لا نملك إلا أن ننشد كاف ولد أحمد يوره:
والشور الا ذيك الحومه — لل سوحل من فم اكبال
هوم يلعكل ألا هــــــوم — لكلام أثر كامل ينكال
لم يكن الإسلاميون قبل بروز جيل المحاصصة يقيمون وزنا لأي اعتبار غير الكفاءة، فلمعت في سمائهم أسماء رجال ونساء ليسوا من أولاد … ولقد ذهب الشيخ الرئيس بعيدا وليته لم يفعل!
إنه من المؤلم أن تكون بلادنا تعرف تحديات جمة في موضوع الوحدة الوطنية وأن يتحول –عن قصد أو جهل- خطاب بعض الأحبة إلى ظهير لتشكيلات سياسية وحقوقية خاصة –تثير من الإشكال أكثر مما تثير من الحل- ثم نتوقع أن يعد هذا الموقف نصرا وإنجازا، فارحمونا يرحمكم الله.
محمدن الرباني