توحيد التيار القومي العربي في موريتانيا ممارسة لمبدأ/ باباه ولد التراد
قرأت سلسلة مقالات رائعة للشاعر القومي الكبير الناجي محمد الامام
تحت عنوان (الثوابت القومية والمتغيرات: محاولة لإعادة الترتيب )
يؤكد في بدايتها على ضرورة الإنتباه إلى أن “الفكر القومي العربي في مدرستيه الناصرية والبعثية” يقوم ” علي طرح واحد في جوهره وإن اختلفت الاولويات ترتيبا لا أهمية “.
والواقع أن هذه دعوة كريمة للوحدة بأي شكل أو نمط موجهة من طرف شخصية مخضرمة لها باع طويل في النضال القومي والثقافة والفكر والسياسة، لذلك فإن جميع القوميين العرب في هذا البلد – على الأقل- مطالبون بالتجاوب مع هذه الدعوة النبيلة التي ظلت حاضرة كذلك بقوة في أدبيات جميع من يتشبثون الآن بالبعث أو بالخلفية البعثية في هذه الأرض ، لهذا فهم يرحبون دون شك بهذا المسعى القويم ويتعاطون مع هذه الفكرة التي ستؤدي حتما إلى توحيد الجهود من أجل التصدي للأعداء الذين تكالبوا على أمتنا العربية ، ومن ثم قد تسمو بالجميع فوق المبالغة في الخصوصيات ، بعد أن أصبح شعار الوحدة التي تتخطى الذاتيات في كثير من الحالات ممارسة تقدمية فعلية ، حين تأكد أن الثبات فيما يخلد ويبقى والمرونة فيما يخلد ويتطور .
ومع أن فكرة توحيد التيار القومي في موريتانيا تعطي رؤية كاملة يقصد منها الإنتقال من دائرة التأثر والانتظار الي دائرة التأثير والعطاء فإنها ستجعل المناضل القومي يساهم في بناء مستقبل يتشاركه والجماهير بوصفه واحدا منهم ،ولكنه غير حيادي لأنه منحاز الى الأمة كلها ، ويعمل على نشر قيم التقدم ونبذ التجزئة والفرقة ، بل إن عليه أكثر من ذلك أن يزرع الأمل في النفوس في هذا الظرف بالذات الذي هبطت فيه المعنويات ، وعمت فيه خطيئة التنابز بالألقاب.
خصوصا أن أمتنا العربية أمة كريمة ، ذات تاريخ مشرف قدمت خلاله للإنسانية مناقب جمة ومحامد كثير، فهي مهد الحضارات ومهبط الرسالات ، ومثوى المقدسات.
ورغم جروحها العميقة وتكالب الأعداء عليها فقد ظلت إشارات التعاون قائمة بين أبناء الأمة العربية ، وكانت موريتانيا حاضرة في ذلك المشهد ،حيث بدأت العواصم العربية تشكل وجهة لشبابنا الذين فضلوا الالتحاق بالتعليم بعد أن ظلت أبواب الوطن مغلقة أمام طموحاتهم بسبب الاستلاب اللغوي فوجدوا الجامعات مفتوحة أمامهم في مصر والمغرب وتونس وليبيا وسوريا والعراق ..وفوق ذلك فتحت العديد من هذه الدول مراكز ثقافية في العاصمة انواكشوط وقد كانت هذه المراكز سببا مباشرا في تطوير وتأطيرالشباب وخاصة خريجي المحاظر ، لذلك ظل التيار القومي متشبثا بمبادئه عاضا عليها بالنواجذ.
وهذا هو محل الإعتراف بالجميل لأولئك الشرفاء عبر الزمن الذين يرفضون مغادرة الميدان رغم المآسي وما يمتلكه العدو الداخلي والخارجي من أدوات التحطيم ، التي تستعين بفلسفة التثبيط وسياسة القعود مع الخالفين اللتين ينتهجهما الشعوبيون ، وأعداء الأمة في كل المناسبات ، وهو ما يقتضي من الناصريين والبعثيين التصدي لهذا النهج المعادي بقوة وحزم، بعيدا عن روح الاستكانة والتشتت والخضوع والخنوع.
ذلك أن الخطاب الوحدوي التقدمي غير المستكين ، الذي يعمل على طمس واقع التبعية والتجزئة والتخلف لا يمكن أن يرتقي بوعي سطحي ، ولايمكن أن تقوده فئة متواطئة ضد جمهورها تتنكر لتاريخ أمتها وتريد أن تطفئ نوره.
ولكن استنادا إلى سيرة الأمة العربية مع أعدائها ، وتاريخ بعض الأمم الحية التي تستعيد ألقها بعد المحن ،فإننا نجد أن أمتنا تنهض باستمرار بعد كل كبوة خطيرة ،لأن المعارك التي تخسرها تتحول إلى تجارب وتمارين أثناء المنازلات الحاسمة.
فقد انتصرت هذه الأمة انتصارات باهرة بعد احتلالها من طرف كل من الفرس والروم ، والأحباش والصليبيين والمغول والأتراك ، والفرنسيين والإنجليز ،والإيطاليين .
وفي المقابل فقد خضعت عشرات الأمم للإحتلال هي الأخرى ، لكنها نهضت بعد ذلك ، مثل الولايات المتحدة ، وفرنسا وألمانيا واليابان والصين والهند .. ومع ذلك فنحنُ ندرك أَنَّ حَضارةَ الغربِ الحديثةِ التي يود الجميع اللحاق بركبها قامَتْ على أَشلاءِ مئاتِ الملايينِ من أبنائها، فضلا عن الإبادةِ الجَمَاعيَّة لسُكَّانِ أَمريكا الأَصليِّين، والشعوبِ المستعمَرةِ في أَفريقيا وآسيا.
، ومع أن المواجهة ظلت مستمرة بين الأمة العربية وأعدائها ،فقد ثبت أن هذه الأمة لا زالت تمتلك روح المقاومة وتحتل موقع القلب من الجغرافيا العالمية ولايمكن القضاء عليها ولا تدجينها مهما بلغت شراسة الأعداء.
غير أنهم يقولون” انه كلما تفاقمت مواجهة اعداء الشعوب للشعوب كلما أبدعت الشعوب ” أي أن العقل الفاعل قد يتوصَّلُ إلى إبداع ونهجٍ ينقذ الممارسات الميدانية والمنطلقات الفكرية من التشوه كي تستجيب للمتطلبات المرحلية والاستراتيجية.
وهنا يتأكد أن على الناصريين والبعثيين أن يمارسوا عملية صياغة الإنسان الوطني القومي القادر على التفاعل والتضحية ووضع أساس لبنائه بعيدا عن الطواف حول الذات والتفرد والتنائي، وعندها يتأكد أننا لا نطلب مستحيلا ولا نروم ممتنعا إذا قمنا باستحداث آلية للتنسيق بين جناحي التيار القومي تحت اسم معين مستفيدين مرحليا من تواجد الجميع في وسائل الاتصال الاجتماعي.
ولكي نؤسس لوحدة فعلية جادة بين هذين الجناحين علينا أن نهتدي بقواعد الشراكة التي من ضمنها:
1ـ التركيز أولا على النقاط المشتركة وتحديد مواضع الاتفاق لأن ذلك يساعد على تقليل الفجوة، ويوثق الصلة بين الطرفين .
2ـ التدرج والبدء بالأهم ، فمعرفة الأهم والبدء به يختصر الطريق.
3ـ العدل والإنصاف،كالتفريق بين الفكرة وقائلها، وإبداء المحاور إعجابه بالأفكار الصحيحة
4ـ الإخلاص وصدق النية والكلمة الطيبة وحسن الاستماع والاحترام المتبادل.
5ـ الحلم والصبر لأن ” الحلم سلاح القوي “.
6ـ التسليم بالخطأ والرجوع إلى الحق فالعاقل هو الذي يعود إلى الصواب إذا تبين له، ويفرح بظهوره .
7ـ عدم الأخذ بالمواقف المسبقة التي لا تقبل النقاش ولا تغيرها الحقائق الدامغة .