من تاريخ الكادحين( 13): تمكين المستضعفين فى الأرض/بدن عابدين
من صفحة الاستاذ عبد القادر ولد محمد
العام ١٩٧٣كان عاما حافلاً بالاحداث فالبلاد
حبلى بتطورات لافتة. بالنسبة للكادحين كثُرٓ اتباعهم وانتشروا فى الأوطان طولاً وعرضا.جريدتهم صيحة المظلوم منتظمةُ الصدور لا تعرف انقطاعاً ولا تشهد توقفاً ، التعليق على مقالاتها النارية يتصدر حديث الساعة ويلهمُ خلقاً كثيراً ويخوض المفكرون فى تفسير ما يصدر عنها من آراء ،تنتشر بين الناس ،تُلْهِمُ الشباب والنساء والعمال وغيرهم من فئات
المواطنين. إنه الهيجان والاحتقان .فى مثل هاذا الجو قمتُ فى إطار المهمات الصعبة، وهي تسمية أوحته رسالة وصلتني من صديقي الوزير السابق الشيخ احمد الزحاف ، المتميز برجاحة الرأي قادتني المهمة المذكورة الى الولايات الشمالية موزعاً لبريد حزب الكادحين فجر إعلانه
على الناس كافةً.وصلتُ مدينة أطار نزلت عند مقدمي بدار أهل بلالي أكرمتني الوالدة المرحومة أميمينة بنت عبد الفتاح طيب الله ثراها وجعل جنة الخلد مأواها أخذتْ بضاعتي المحظورة، أخفتها فى مكان لا يستطيع أحدٌ الوصول اليه.
فى المساء نظم الرفاق اجتماعاً حضره عدد من أعضاء الكادحين وأنصارهم البارزين فى المدينة.
بدأت الكلام تحدثت عن اوضاع البلاد تحليلاً
وتفسيرا وعن برنامج الحركة المعارضة وما تصبو اليه من أهداف نبيلة تنهض بالشعب وتُقيمُ العدل والانصاف بين الناس! صعد الى المنبر بعدى شاب مرتب الشعر نظيفُ الثياب باسمُ الثغر طلقُ المحيا تتوسطُ جبينه سمةٌ سمراء من أثر السجود، حيّا الحاضرين وقال أيها الناس أسمعوا كنت معارضاً للكادحين ولما تأملت ما تضمنه بيان حزبهم وشاهدت
سلوكهم مع المواطنين البسطاء أحببتهم حباً
جماً وأدركت ما يريدون ،إنهم يسعون الى
تمكين المستضعفين فى الارض ورفع درجتهم،
فمن اتبعهم اهتدى وضلّ من سايرٓ الحكومة.
تلا المتدخل الشاب شيخٌ اسمرٓ اللون ،أشعث الشعر ،إشتعل رأسه شيباً ، حزين الوجه رثّ الثياب فى نظراته تصميم وعزم قال، أنا شيخٌ من عالم البؤس والشقاء ذقتُ مرارة
الغبن والحرمان فى بلدي علمني الكادحون كيف انهض من كبوة الزمن وادران الجهل !أتقنت القراءة والكتابة على أيديهم، عرفت حقوقي المدنية فهمت كيف يكون المرء حراً
طليقاً دون حقدٍ ولا ضغينة ، أمدّ يدي للآخر وأسعى لرص ٌ صفّ أمني، أوصيكم معشر الحاضرين بالمستضعفين خيراً ،فهم طيبون. أنهى الشيخ حديثه ،رجع الى مكانه صعد
المنبر كبيرُ الحدادين بدأ الكلام مخاطباً الجمع:
نحن فئة ظُلِمٓ بَعضُنَا ظلماً بواحاً ،منا الصالحون
الأتقياء والعلماء الإجلاء ولأدباء المفوهون، أوضح
لنا الكادحون ان لا فرق بيننا وبين أفراد المجتمع لنا ما لهم وعلينا ما عليهم دورنا مهمٌ لا يسٌدّه أحدٌ وغبرُنا بعجزُ عن إتقان مهاراتنا المبهرة ! ثم أردف قائلاً إذا صدقت النوايا وتحالف الجميع فسينهضُ شعبنا ويحتلّ أهله الصدارة
بين الامم ويقضون على التخلف والجهل ! لن نسير الى الوراء بعد اليوم .تحدثت بعد آخرِ متكلم سيدةٌ وشحت رأسها بخمار أسود قالت : نحن النساء خٓدعونا كثيراً،ظلمونا زماناً ذهب بعضهم الى اننا لم نخلق للحياة بل وظيفتنا الإنجاب ! واليوم نرفع الرأس لما جاء الحق واتضح على أيدى الكادحين وهم يشدون أزر من لا نصير له الا الله. النساء نصف المجتمع
وجناحه وهل يطير مقطوعُ الجناح ؟ إفتحوا
أعينكم ،أعطوا كل ذى حقٍ حقه .ان أصلحتم النساء ورفعتم شأنهن أعددتم أُمَّةً صالحة والاّ فلن تُفلحوا أبداً !
طال الليلُ وتأخر السامرون يتعاقبون على المنبر
يتفقون أحياناً وتارةً يختلفون فى جوٍّ يسوده الوئام لا تشنج فيه ولا غلوّ. أصطحبني الى
داره الرفيق العزيز محمود مسعود أحد قادة
الحركة فى مدينة أطار البارزين والمؤطرين
للمنظمات الجماهيرية فى الشمال التابعة لحزب الكادحين يطلقون عليها إسم كارن إختصارا.
(Carn) . دخلنا منزل محمود مسعود وجدنا
أمه المرحومة أم البركه أعدت لنا أطيب الطعام
وألذه ،قال لى محمود ربما يكون المكان أكثرٓ
أمناً فدار أهل بلالى يزورها الأمن كل
مرة بحثاً عن الرفيق القاسم بلالى وهو عمدة انواذيبو الحالي مسكون بحبّ المستضعفين شٓبّ عليه لا يُفارقه أبدًا ، مغرمٌ بوطنه وشعبه.
زرت أيضاً الرفيق ميلود لكحل فى منزله اكرمتنا والدته المرحومة فاطمة بنت همدى إبنة الكرام، وفى مدينة أطار ،والحق يقال من ناصرت حزبه عائلة
الوجيه همدى ول محمود طيب الله ثراه وأحسن مثواه تميل كفته لما لها من وزن.
. ويعود الفضل الى الرفيق ميلود لكحل فى إصدار وطباعة ملحق
صيحة المظلوم سطور حمراء ،حققه زميلي الصحفي والأديب
محمد عبد الله بليل. وأنتهز الفرصة لأنشر فقرات
مختارة مما جاء فيه من قصائد وهو متوفرٌ فى
المكتبات.(ملحق بالمقال).
و تجدر الإشارة إلى أن النسخة التى صدرت من سطور حمراء مأخوذة كجل الصور آلتى تخدم النص فى هذه الحلقات من مكتبة ذاكرة مورتانيا و الصحراء لصاحبها الرفيق اخي احمد محمود و لد احمدو، جمال شهرة أحييه وأشكره.
لقد قادني عمل المهمات الصعبة الى مدينة انواذيبو حيث حفرت أنا والرفيق العزيز سدّنا
يحى مخبأً تحت الارض للطباعة أدى دوراً
بارزاً فى إسناد العمل الثوري فى الشمال.
كنت أقيم خلال تلك الفترة فى منزل المرحوم عبد
الرحمان يوسف أندور وقد غادرنا بالامس القريب
الى جنات الخلد فلْينمْ قريرٓ العين