المثقفون العرب والقضية الصحراوية/ النانه لبات الرشيد
عادة ما تجد جل القضايا المعقدة طريقها للحل والتصويب إذا ما حمل همها المثقفون، فكلما علت أصواتهم بها وتحررت أفكارهم حولها كلما اتجهت أنظار الساسة وأهل القرار نحوها. لكن هذا يحدث عادة بالعوالم المتطورة التي تحترم فيها الأنظمة المثقفين ويضطلع المثقفون فيها بقضايا وهموم شعوبهم بعيدا عن أبراج االتنظيرالعاجية.
والقضية الصحراوية المزمنة واحدة من القضايا العربية التي لا تشغل حيزا – ولو ضئيلا- بعقل المثقف العربي، رغم توفر كل شروط العروبة المطلوبة فيها، ومع ذلك لا يذكر أن انشغل بها سدنة الفكر العربي، بل أن ديدنهم ظل تجاهلها، وفي أحسن الأحوال،يقولبونها في إطار صراع مغربي جزائري مزعوم، سببه من وجهة نظرهم حمى الزعامة الأفريقية بين البلدين حينا، وحينا آخر منافذ الجزائر المنشودة على المحيط الأطلسي.
ومما يؤرق حقا، أننا نجد هذا المثقف العربي ورغم بلوغ أزمة الصحراء الغربية عقدها الخامس، ما يزال يتقوقع بحزن مصطنع في صراع الجزائر والمغرب وليس بينهما أي صراع في الحقيقة، حتى أن دعوات وعرائض وقعها مثقفون عرب تنادي بحل الخلاف الجزائري المغربي وتدعو لخفض ما يسمونه توترا بين البلدين، دون المرور ولو جزئيا بقضية الشعب الصحراوي.
إن ارتفاع الصوت بحل خلاف سياسي ما بين بلدين يجب أن يرفق بخطط تسويته، والأهم من كل هذا تتبع سر الخلاف وجوهره، ويعجز مثقفونا العرب عن وضع خطط لتسوية ما يسمونه صراعا مغربيا جزائريا ويتنكرون عن سبق اصرارعن تتبع أصل الداء الذي أوصل البلدين المغاربيين إلى ما يسمونه صراعا سياسيا.
إن المعضلة الصحراوية أو لنقل نزولا عند رغبة مثقفينا العرب؛ الأزمة المغاربية، أبسط من أن تؤرق عقول العرب بمختلف مستوياتها إن هم شاؤوا صادقين حلها، وأعمق بكثير وأبلغ تعقيدا من أن يفسرها المثقفون وهم يدخنون النرجيلة ويحتسون النبيذ بالمقاهي العتيقة على أنها صراع الزعامة الأفريقية بين المغرب والجزائر وبضع مخلفات حرب الرمال بينهما وتفاسيرأخرى مشابهة واهية. فبساطة المعضلة تكمن في أنها أزمة شعب لم يقرر مصيره كباقي الشعوب العربية التي عانت الاستعمار ومكمن تعقيدها في اعتبار وقوف الدولة الجزائرية إلى جانب الحق الصحراوي عداء للمغرب، بينما يرون أن سيطرة المغرب على الصحراء الغربية رغم عدم شرعية هذا الاستيلاء عبارة عن تكريس المغرب لوحدته ترابية.
هل يرجو فعلا المثقف العربي حل المعضلة المغاربية التي حالت دون وحدة المغرب العربي؟؟ عليه أولا أن يتساءل عن أسباب عجزه عن حل المعضلة الفلسطينية التي مزقت العرب رغم إجماعهم كلهم على عدالتها!! فالخذلان العربي الذي حال دون نصرة الفلسطينيين وجعل قضيتهم عرضة للمساومة والابتزاز، وفرق لاجئيهم بين الأقطار العربية المحيطة بهم وحكم عليهم باللجوء الأبدي، ثم ختم مأساتهم بالتطبيع الفردي والجماعي مع مغتصب أرضهم، هو نفسه الخذلان العربي الذي يتجاهل ألم الشعب الصحراوي ويختزله في صورة كاذبة عنوانها الصراع المغربي الجزائري المزعوم.فالعجز التام عن إحقاق الحق الفلسطيني والتنكر التام للحق الصحراوي وجهان لعملة واحدة؛ الخذلان العربي.
ما الذي ينتظره المثقفون العرب من دعوتهم للتهدئة بين الجزائر والمغرب ؟
بالنسبة للمغرب، فالدعوة تخدمه، ذلك أن دغدغة عواطف العرب بحديث الوحدة العربية الكذوب، والعزف على أوتار الانفصال الحزينة، وحشر أزمته الحقيقية مع كفاح الشعب الصحراوي في أزمته وجارته، يكسبه صمت العرب وصدودهم عن قضية الشعب الصحراوي.
وبالنسبة للجزائر، فالدعوة لا تعنيها لا من قريب ولا من بعيد، فهي تتكئ على دعمها للقضية الصحراوية على مسند القانون الدولي، وليس بينها وبين المغرب أي صراع.
ورغم أن كل المعطيات السابقة معلومة لدى كل المثقفين العرب إلا أنهم يصرون دائما على تجاهلها ويصرون أيضا على إرسال دعواتهم للوجهة الخطأ ، فدعوة المثقفين العرب حول الأزمة المغاربية ورسالتهم إن هي وجِدت وجَدت وجهتها الوحيدة هي الشعب الصحراوي، فهل فكر مثقف واحد من الذين وقعوا خلف الوزير العربي السابق في سؤال الشعب الصحراوي عن أزمته واقتراحاته حولها؟
هل يعتقد المثقفون العرب ألا وجود لمثقفين صحراويين؟ وألا رأي لهم؟
إني حقا لأتساءل احيانا عن كيف ينظر العرب إلينا إذا هم نظروا إلينا يوما؟على الأقل اتمنى ان يرونا أنا جزء منهم جغرافيا وثقافيا، وهذه حقيقة لم تقربهم منا للأسف ولكن ايضا ليس بمقدورهم ولا مقدورنا نكرانها.
على المثقفين العرب توجيه عرائضهم لدعوة المصالحة بينهم وأنظمتهم، فهم يدركون جيدا أنها لا تمنحهم من فسح الرأي إلا ما شاءت وإلا فلا رأي لهم البتة، عليهم أن يتصالحوا مع حكامهم أولا، فقد طرودا اللاجئين الفلسطينيين في أيلول الأسود، واختاروا أمن بلدانهم حين طبعوا مع اسرائيل واعترفوا بالشؤم الذي مزق أوصال فلسطين، وهذه الأخيرة نقطة تلاقيهم الوحيدة، ونقطة فرقتهم ايضا، وعليهم أن يتساءلوا : هل يجدر بالجزائر أن تطرد اللاجئين الصحراويين وتتنكر لمبادئها وتختار نصيبها من كعكة الصحراء الغربية تحقيقا لمنفذ الأطلسي المتهمة عربيا به؟
لا شك أن المثقفين العرب الذين لا حول لهم ولا قوة للتصدي لمواقف بلدانهم المخجلة تجاه القضية الفلسطينية يفضلون تنصل الجزائر من مبادئها إكراما للمغرب واستجابة لدعواتهم، فالجزائر دون شك البلد العربي الوحيد المجسد لماضي الصلابة والقوة العربين، وهي ما تبقى من نخوة العرب وشهامتهم ونبلهم الذي لا يقبل المساومة ولم تكسره يوما عواتي السياسية، وهي بهذا تعري الهوان العربي وتسحب إليها أضواء الشموخ كلها.
على المثقفين العرب أن يكونوا شجعانا في الطرح لا مواربي المواقف، فالإصرار على وجود أزمة جزائرية مغربية اصرار على التضليل الذي لا حل من ورائه، وأهيب بهم ألاّ يهدروا فكرهم ورؤاهم في أمر يعلمون ضلاله ويدركون عدم جدوائيته، وأدعوهم كصحراوية تعلمت منهم دروس اللغة والشعر والأدب، أن يواجهوا الحقيقة، فالقضية الصحراوية هي المعضلة المغاربية الوحيدة، وأنه لا حل لها بدون أهلها الفعليين، وأن أصواتهم وإن بلغت عنان السماء وتواقيعهم وإن شملت كل عرب المعمورة، ستبقى أصواتا بلا صدى وتواقيع في الماء، ما لم ترصد بصائرهم الشعب الصحراوي المظلوم، وتُغمس أقلامهم في حبر معاناته.
* كاتبة من الصحراء الغربية