أخذت الهاتف بتباطئ وتثاقل وسبقني دمع الشوق وكثير من الأسي وتمالكت نفسي حتي وجدتك كالعادة تقول لي “لامشكلة”…هي عبارة تخجلني بها دوما ولا أستطيع رد جميلها مهما فعلت.
بعدها سأحاول أن أعيش بروتين غير منظم، أعيد فيه نفسي إن كان في العمر بقية.
والآن علي أن أبدأ الحديث علني أتخلص من وقع ضوقك، أستذكر جمال اللحظات، أتخلص من الخيبات، أتقبل الأشخاص والأهم أرتب أوراقا بعثرتها حماقاتي وأطبطب علي نفسي وأتذكرك حين قلت لي “أنت تستحقين السعادة”، لن أعدك بها ولكني سأحاول.
علي أن أغادر الآن قليلا، مثقلة من طول السفر و المقام…متعبة من الأيام ومن تذكر التفاصيل…
قلقة من بعدك، ومن تأمل كل ذلك…
أكثر ما أفكر به الآن إني تخليت عنك حين سعيت لإرضاء تفاهاتك الصغيرة، وبعدها اخترت نفسي ونسيت أنني سأحتاجك كي تخرجني من كل هذا السوء.
هل فعلا أحتاجك؟، ماذا لو غادرتني ثانية، ماذا لو تخليت وقد فعلت…حينها فقط ستعرف أن أهم من سعادة اللحظات هو سعادة الروح.
دعني أخبرك سرا، أحس أنك أكثر قربا من كل من ألتقيهم في عالمي الحسي…رغم بعدك…
أنتظر قليلا قبل أن تفكر في كل هذه الحماقات، فكر فقط في أنني قادرة علي الاحساس بك، قادر أن تحسني رغم بعدي المزمن عنك…ثم فكر في سؤال واحد لماذا التقينا بعد كل هذه السنين؟
لكأنك تكرر فعلا ألفته…تكرر الأيام بأسلوب يجعلني أستمتع بأكثر الأحاسيس إزعاجا بل وأكررها.
تفرقنا الأيام في كل مرة كي نتعلق أكثر، تفرقنا بصمت.
حين تقول لي عيشي لنفسك. أتذكر ابتسامة جدتي وآخر موعد حب، أتذكر الرقص علي إيقاع “سربات”، أتذكر السهر مع ردّات لأهل دندني…يؤنسني ضوء النجوم الخافت، أتذكر صمت صحراء تيرس، أتذكر الشاطئ فجرا حين لا أجد ضجيجا يفوق الموج إلا ضجيج النداء لك…
حينها فقط أستطيع الصراخ عليك وعلي شوقي أن إيتيا طوعا أو كرها.
علي أن أعترف أني اكتشفت أكثر الأمور تعبا…إنه التفكير، عجزت عن إيقافه وعجزت عن التعايش معه، يوقظني من نومي، يزاحمني حتي أنسي أني أنتظر إشارة كي أمضي، يقلقني حتي أنسي تحديد ماذا أريد.
وأسمع دندنة في أذني “هذي هي حگ الوحلة”.
ترجعني الدندنة لأماسي كانت تتداخل فيها الصور واللحظات في ذاكرتي لكنها لوحة أتاملها كل يوم وأعيد الكرة مرات ومرات.
صورك وذكرياتك هي ذاك الضوء الذي يتسلل كي يضيء لوحة أيامي.
أعرفتَ الآن لماذا لا يمكنني أن أفصلك عن أي شيء، أنت أمامي دوما، حنيني لشجن غيابك لا ينقطع، وأملي الذي عاد حين راسلتني راجيا أن “أقبل” صداقتنا…صدقا هل فكرت في أنها لم تنجلي منذ نشأت.
أنت حالة تدخلني في مزيج من الحب والشوق والانتظار والصداقة والأخوة والوفاء.
حالة لا أجد لها إلا الاحتواء.
أتأمل بداخلي بريق عينيك وأعرف أن هناك أبلغ من صدق كل الكلام الذي يصلني في كل مرة تسألني عن نفسي.
رسائلك تبعث الكثير في نفسي.
أجلس بعدها كي أذكر يوما أن قدرا جمعنا، وأذكر أنه فرقنا…ثم اجتمعنا مرة أخري، ولكن! يتغير الزمان والمكان ويبقي ذاك اللغز الذي لا أريد حله بيننا، سيبقي السؤال لماذا تعلقتك رغم كل شيء، لماذا بمقدوري الإحساس بكلك أينما كنت…يمكنني تصورك في وجوههم، أتحسس همسك في كلامهم…كنت تحدثني عن البحث عني وأنت لا تعرف أني كنت أرقبك من بعيد.
حسنا علي أن أعترف أنك كنت أكثر جرأة مني، علي أن أعترف أن سببا ساقك إلي في ليلة ما. لحكمة ما لن أرهق فكري في تتبعها.
ابق حيث كنت ستجدني في الجانب الآخر من العالم، حيث يمكنني إيجادك حين أحتاجك.
لا تسأل هل أحبك؟ بل اسأل هل يمكنني أن لا أحبك…هل تذكر ذاك الحكيم الذي قال إن أسمي درجات الحب هو أن تقول لحبيبك يا “أنا”.
هي كلمة مطلقة تعبُرنا كي نكون جسدين لروح واحدة.
فهل تريد بعدها أن تفهمني، فقد ألفت الفقد والشوق والشجن والخيبة والانتظار.
أما عني فإنه لا يمكنني الامتناع عن التفكير بك، أنت الخيط الذي يربطني بعالم السعادة والجمال والحب، حيث لا وجود لكل تلك المصطلحات الجامدة.
ما أقسي شعور الفقد، أتعرف ألم انعصار القلب بداخلك لتتقاطر دموعك، صدقني لن تجد أسوء من هذا الشعور، ولا أقسي منه إلا فقد من تعرف أنه موجود في مكان ما وتعصرك ذكراه.
حتما ستحس كلماتي تماما ولن تستطيع التخلص منها، وعتبي عليك ببعد مكاني لا أكاد أتخلص منه حتي يسكنني…
هل سترسل إلي في كل مرة تتداعاني ذكراك أمرا من عندك أم تتركني مستسلمة لحالي؟!.