محمد فال ولد بلال يكتب: من رشقات الرصاص إلى رشقات الفرحة .. عنوان الانتصار
ما حصل فجر اليوم في فلسطين يحمل دلائل كثيرة. إنه اتفاق دون مفاوضات مباشرة، و دون اعتراف متبادل أو حتى دون لقاء عابر بين الطرفين، و دون شروط مسبقة، و دون الموافقة على أي شيء .. اتفاق بلا بنود اتفاق .. و هو مع ذلك أكثر الاتفاقات وضوحا و أعظمهم أثرا و تأثيرا على حاضر و مستقبل منطقة الشرق الأوسط كلها! لماذا؟ و كيف؟ حماس والجهاد و فصائل المقاومة تفرض إرادتها في صد العدوان دون أن تعترف أو تفاوض مباشرة أو حتى تلتقي ساعة مع عدوها أو تتوقف قبله ..
أظن – والله أعلم – أن خاصية هذا الاتفاق الأبرز و الأهم هي كونه يتعلق بحرب “وجودية” تدور رحاها في “الوجدان” و “الذات” و “الهوية” أكثر أو بقدرما تدور على الجغرافيا. و الفائز فيها هو من يكسب نقاطا أكثر في “الوجود” و تأكيد “الذات ” و ترسيخ “الهوية” و “الإيمان”. و يتحقق ذلك في المشاعر أولا و الأذهان و القلوب، ثم يظهر على الأفواه و الأوجه و الأجسام.. و من جولة إلى جولة، يتحول إلى الخرائط و الجغرافيا السياسية. هذا النوع من الانتصارات والاتفاقات لا يُكتب حبرا على ورق، بل يعصر دما و عرقا. لا يُختم بالمراسم والتوقيعات؛ بل يرسم بالطلقات و الرشقات في مقابل الغارات.. و حين ينجلي الغبار يعلم الناس من تحته فرس و من تحته حمار.
ولأن المقاومة الفلسطينية هي التي فرضت وجودها أكثر، و أكدت ذاتها أكثر، و رسخت هويتها أكثر ، علم الناس من هو الفائز و المنتصر. بمجرد الإعلان عن وقف إطلاق النار، أفلحت وجوه المقاومة وشعبها و أشرقت القدس بنور ربها و غزة و الضفة و سكان 48 و الشتات و الأمة كلها.. تنفس الأحرار الصعداء و ذاقوا طعم الانتصار.. عمت الفرحة والبشاشة شوارع فلسطين من بحرها إلى نهرها و انطلقت الهتافات بالنصر المبين و ارتفع الأذان من كل مكان؛ في حين قوبل الإتفاق من الجهة الأخرى – جهة العدوان – بدموع الخيبة والحسرة و الاحباط و الانكسار، و تجرع الاحتلال طعم الهزيمة والفشل.
إن الاحتفالات الجارية حاليا في فلسطين هي “نص” اتفاق غير مكتوب يقضي بفوز غير مسبوق سجله التاريخ يوم 21 مايو 2021 على الساعة الثانية فجرا بتوقيت القدس الشريف.. و هي الترجمة السياسية لانتصار صواريخ المقاومة .. ولا قبة حديدية يمكنها اعتراض بهجة شعب منتصر ، ولا يمكنها جلب راحة لجيش مهزوم.
و الحمد لله رب العالمين.