انهم مصدر القلق الوجودي للكيان الغاصب..
بالمسيحيين العرب، وقنبلة اصحاب الارض الديموغرافية/سلاح الإنجاب الفلسطيني، ورجال الله في الميدان تخلق المقاومة اختلالاً مستداماً في التوازن الاستراتيجي لمصلحة فلسطين وأهلها .. فمن آيات الله – من دمشق وبغداد الى عمَّان والقدس فغزة – ان يستعيد الصهاينة وأذنابهم مكمن مأزقهم الوجودي وموعد مٓهْلِكِهِم فيهرعوا بكل هلع وارتياع للنص التوراتي من سفر إشعياء النبي: “ولولي ايتها الأبواب، اصرخي أيتها المدينة”!
نعم، الأبواب تولول، والمدينة تصرخ: انه المأزق الوجودي ذاته من أينشتاين الى نتنياهو الى عامي أيالون مثلا (ضع عشرات الخطوط تحت كلمة “مثلاً” – أضف ناحوم غولدمان، دافيد بن غوريون، إفيغدور ليبرمان، جدعون ليفي، يوڤال ديسكين، مئير دوغان، أمنون ابراموڤيتش، افراييم هليفي، كارمي غيلو، روني دانييل، بيتي موريس – مثلاً أيضاً)، كما بيّنتُ في عدد من مقالاتي السابقة؛ يؤَرقهم غياب الأصل والدم الواحد، وكذلك انعدام التقاليد والعادات المُمَيِّزة واللغة والثقافة المشتركة وأسلوب الحياة الجامع – لا قومية تؤكد ارتباط الناس بأرضهم، وولائهم وانتمائهم إليها، بل شتات لا يجمعهم سوى “اليهودية” او “التهود”!
من هنا خشيتهم، بل ذعرهم ورعبهم من “المسيحيين العرب” و”قنبلة اصحاب ألأرض الديموغرافية” على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي .. الا تذكرون المشروع الصهيوأعروبيركي المعروف، الذي فضحه الرئيس اللبناني سليمان فرنجية عندما فاتحه به موفد وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر: توطين الفلسطينيين في لبنان، بعد ترحيل المسيحيين إلى الغرب؟ يومها قرّر المسيحيون المواجهة العسكرية فخسروا الحرب ليأتي الرئيس الفرنسي ساركوزي، بعد عقود أربعة، عارضًا هجرة من تبقّى من مسيحيين في لبنان إلى أوروپا.
وبالتجربة تبيّن أن الوجود المسيحي في لبنان يرتبط بشكل واضح بفاعلية هذا الوجود ودوره في السلطة والاقتصاد. فهل جاء الحصار الاقتصادي وتفجير المرفأ لاستهداف المسيحيين بشكل أساسي فتُحشر غالبيتهم في زاوية العوز والفقر والحاجة – تجويع فتهجير فتطبيع؟ وها هي مبادرة الرئيس ماكرون لا تخرج عن مسار انهاء الوجود المسيحي في لبنان سواء تم ذلك في فرن الاقتصاد، او في ثلاجة الاقصاء السياسي والإداري .. ليس في لبنان وحسب، اذ يحاول بعض سفهاء تقديم أوراق الاعتماد اللحاق بقيصر التطبيع مع الكيان الصهيوني نسخاً ولصقاً فيحاصرون مشرقياً من هنا ويستبعدون مشرقيةً من هناك، ولا اصحاب لديهم يبكون والدرب دونهم، وكل الخوف عليهم وسيحزنون!
اما “حارس القدس _ المطران هيلاريون كبوجي” فيعيدني لبعضٍ من كتاباتي: “المسيحيون العرب في صفقة القرن.. وتوطين مقابل توطين”، مثلا!
قلتها مرارآ: “كما المسيحيون العرب كذلك العروبة! يرى البعض في غياب المسيحيين العرب عن المشهد العربي غيابآ لفكرة الدولة العصرية والتنوع الثقافي والتعددية والديمقراطية .. أما أنا فما زلت أكرر أن غياب المسيحيين العرب عن المشهد العربي يعني غياب المشهد العربي برمته .. فلا تفرغوا الشرق من مسيحييه, وبالتالي من عروبته, تبريرآ ليهودية الدولة!”
واليوم أدعوكم لمراجعة مراسلات ديفيد بن غوريون (David Ben-Gurion) / موشية شاريت (Moshe Sharett) حيث يبدو التخوف من النموذج اللبناني بصناعته العربية المسيحية .. وحيث تتمثل لعنة المسيحيين العرب في دورهم البناء نحو الدولة الحديثة و تكريسآ لعبقرية التنوع .. فلا بد اذن من اقتلاع هذا النموذج (التنوع في الوحدة) ولا باس باقامة دولة مسيحية صرفة تحرس حدود اسرائيل الى جانب دويلات مذهبية سنية و شيعية وربما درزية صافية!
المسيحيون هم أبناء المنطقة ولدوا وعاشوا فيها منذ أكثر من ألفي سنة وعروبتهم لا جدال فيها ..في القدس بدأت المسيحية, والسيد المسيح هو ابن مدينة الناصرة .. وفي حلب و حوران وانطاكية بنيت أول الكنائس .. المسيحيون هم العرب الغساسنة في حوران والمناذرة في العراق .. منهم جاءت قبائل تنوخ وبكر وربيعة وبنو تميم وطي وبنو كلب .. ساهموا باقامة الدولة العربية الأولى (الدولة الأموية) كما كان لهم دورهم في عصور النهضة العربية .. نبغوا في الشعر والحكمة والخطابة, ونقلوا علوم اليونان وحكمتهم الى العربية .. وكان لهم شأن كبير في العصر الحديث ولا سيما في الصحافة والأدب والفكر والشعر ..أصدروا اوائل الصحف باللغة العربية في الأستانة ومصر وبلاد الاغتراب .. وهم من أسس حركات التحرر الوطني في سوريا و لبنان و فلسطين, وساهموا في بلورة الفكر القومي العربي و نشره ..
وفيهم قال شاعر الرسول, حسان بن ثابت:
لله در عصابة نادمتهم يومآ // بجلق في الزمان الأول
والخالطون فقيرهم بغنيهم // والمنعمون على الضعيف المرمل
أولاد جفنة حول قبر أبيهم // قبر بن مارية الكريم المفضل
بيض الوجوه كريمة أحسابهم // شم الأنوف من الطراز الأول
فلا تفرغوا الشرق من مسيحييه, وبالتالي من عروبته, تبريرآ ليهودية الدولة!
واذكروا ما قاله أمنون كابيليوك (Amnon Kapeliouk): “في ضوء ما حدث عام 2000، لم يعد هاجس الأنبياء باسرائيل ازالة حزب الله فقط وانما ازالة لبنان بكليته”! واستكمالآ للصورة كان لابد من استكمال تفريغ المنطقة من مسيحييها سواء من خلال صيغة Islam Light أو بالعودة لصيغة القاعدة و مشتقاتها .. و ها هم يستميتون تسويقا لصفقة او طبخة او صفعة القرن عارضين – مقابل إلغاء حق العودة بتوطين الأخوة الفلسطينيين – مئات المليارات من “دولاراتنا” و استعداد أوروبي ـ أميركي لاستقبال مسيحيي المشرق العربي .. فهل هو توطين مقابل توطين؟!
و بالعودة الى تراثنا أقول: “ألا ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين, بين السلة أو” اغواء الهجرة .. هيهات منا الهجرة, هيهات منا الهجرة .. ولعلي بهذا أرد على التساؤل الذي يطرحه البعض بخصوص مصير المسيحية والمسيحيين في الشرق .. فلسنا بالمارين بين الكلمات العابرة .. هنا, على صدوركم (أعني الحلف الصهيواعروبيكي بتغطية اسلاموية) باقون كالجدار .. وفي حلوقكم كقطعة الزجاج, كالصبار .. انا هنا باقون, فلتشربوا البحرا .. هنا, لنا ماض. وحاضر, ومستقبل .. يا جذرنا الحي تشبث, واضربي في القاع يا أصول .. فنحن نعرف كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء.
أما فقه المقاومة والتحرير فبالضرورة ينصر المسيحيين العرب في معركتهم الوجودية, وهو بالضرورة يكمل مكارم المقاومة الشيوعية/القومية/الوطنية بكل معانيها و أبعادها .. بالفقه و بالفعل .. بفقه المقاومة والتحرير, وبفعل المقاومة والتحرير ينتعش ويزدهر الوجود المسيحي الذي يعطي العروبة معناها وماهية وجودها و يشكل بذلك مصدر القلق الوجودي لاسرائيل مسقطا صفقة القرن!
نعم، نحن محكومون بالنصر – نحن امام احد خيارين لا ثالث لهما: فأما النصر وأما النصر .. و”إصبع مظفر النواب الوسطى” بحيثيتها ورمزيتها لهم بالمرصاد ليلاً، ونهاراً ايضاً .. انها المقاومة تراكم تفاصيل نجاحاتها الكمية، ومنها الصواريخ التي تحدّت وكسّرت “المحرّمات الأوسلوية” والتطبيعية تمهيدا للتغييرات الكيفية فارضةً تصويب وتصحيح مفهوم ومعنى العروبة ودلالاتها باعتبارها صراعاً مع العدو الإسرائيلي ورعاته وأتباعه، وأفشلت محاولات الرجعية العربية وسعيها الحثيث المدجّج بالمال والعصبيات الظلامية إلى تشويه هذا المعنى بحرفه نحو إيران .. نعم، سقط “أوسلو” النهج، وسقط “اوسلو” المسار لتتم الإطاحة بمفاعيل وعد بلفور والنكبة والنكسة .. اليوم تعود فلسطين عربيةً إلى أهلها، ويعود أهلها إلى مقاومتهم فيمتلكون الغد ويكتبون صفحاته تأسيساً على تحرير لبنان وانتصار عام 2006 .. فلا هجمة الركود الحالي، ولا تحالف كوفيد التاسع عشر مع المحور الصهيواعروبيكي ومفرزاته وانعكاساتها في وعلى الداخل العربي اقتصاداً وسياسة، مثلاً .. ولا المهام النضالية في الخارج بقادرة على ازاحة البوصلة عن فلسطين من النهر الى البحر ومن الناقورة الى ام الرشراش سيما وان “طائر الصدى” مازال يصرخ في صحراء العرب ويستصرخ ان اسقوني يا قوم، بربكم اسقوني!