في الرد عن المتصوفة ح 7: “الذكر منشور الولاية”/ محمد عبد الرحمن عبدي
ولهم في لهجهم باسم الله تعالى المفرد تأليف وترتيبات على حسب الأحوال والمقامات.
قال الشيخ زروق اختاره المشائخ ورجحوه على سائر الأذكار وجعلوا له خلوات ووصلوا به إلى أعلى المقامات والولايات وإن كان منهم من اختار في الابتداء لا إله إلا الله. انتهى. قال ابن حجر المكي في الأجوبة الحديثة(لأجوبة الحديثية ابن حجر الهيتمي/53ا ط دارالفكر ) : وذكر لا إله إلا الله أفضل من ذكر الجلالة مطلقاً هذا بلسان أئمة الظاهر، وأما عند أهل الباطن فالحال يختلف باختلاف أحوال السالك، فمن هو في ابتداء أمره ومقاساته لشهود الأغيار وعدم انفكاكه عن التعلق بها وعن إرادته وشهواته وبقائه مع نفسه يحتاج إلى إدمان الإثبات بعد النفي حتى يستولي عليه سلطان الذكر. فإذا استولى عليه فيناسب حاله ذكر الجلالة فقط.وذكر الله تعالى سواء كان بالإفراد أو بالجملة هو الثمرة المباشرة لمقام المراقبة وهو أفضل العبادات وأشرف الطاعات وأعلى درجات الحسنات وهو مطية السائرين إلى منازل الشهود ومناص قرب الطالبين لنفحات الجود، وقد جاء بذلك القرآن المبين وحديث الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم سنة قولا وعملا مواظبة ودأبا سيرة أصحاب من بعده رضي الله عنهم والتابعين وتابعيهم وخواص المؤمنين.قال تعالى(فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) ، وقال جل شأنه(ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون) . قال ابن عباس: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه، ورواه أيضا سفيان الثوري في تفسيره وأخرجه الحاكم في المستدرك (المستدرك2/409)وابن أبي شيبة في مصنفه(الدر المنثور5/146) وذكره السيوطي في الدر المنثور(الدر المنثور5/146) .
قال القاضي ابن عطية في المحرر الوجيز(المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لا بن عطية الأندلس 4/373/ط1) قال ابن عباس وأبو الدرداء وسلمان وابن مسعود وأبو قرة معناه “ولذكر الله ” إياكم أكبر من ذكركم إياه”، وقيل معناه “ولذكر الله أكبر” مع المداومة من الصلاة في النهي عن الفحشاء والمنكر قال ابن زيد وقتادة معناه “ولذكر الله أكبر من كل شيء”، وقيل لسلمان أي الأعمال أفضل فقال أما تقرأ القرآن “ولذكر الله أكبر” ومنه حديث الموطأ عن أبي الدرداء ألا أخبركم بخير أعمالكم الحديث، وقيل معناه “ولذكر الله” كبير كأنه يحض عليه في هذين التأويلين الأخيرين.
قال الفقيه الإمام القاضي ابن عطية وعندي أن المعنى “ولذكر الله أكبر” على الإطلاق أي هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر. وقال ابن جزي في تفسيره التسهيل لعلوم التنزيل:اعلم أن الذكر أفضل الأعمال على الجملة وإن ورد في بعض الأحاديث تفضيل غيره من الأعمال: كالصلاة وغيرها؛ فإنّ ذلك لما فيها من معنى الذكر والحضور مع الله تعالى.والدليل على فضيلة الذكر من ثلاثة أوجه الأول: النصوص الواردة بتفضيله على سائر الأعمال، قال رسول الله صلى عليه وسلم: “ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من أن تلقوا عدوذكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله” وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: ذكر الله، قيل: الذكر أفضل أم الجهاد في سبيل الله؟ فقال: لو ضرب المجاهد بسيفه في الكفار حتى ينقطع سيفه ويختضب دماً: لكان الذاكر أفضل منه. والوجه الثاني: أن الله تعالى حيث ما أمر بالذكر، أو أثنى على الذكر: اشترط فيه الكثرة، فقال: (اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً) ، (والذاكرين الله كَثِيراً) ، ولم يشترط ذلك في سائر الأعمال. الوجه الثالث: أن للذكر مزية هي له خاصة وليست لغيره: وهي الحضور في الحضرة العلية، والوصول إلى القرب بالذي عبر عنه ما ورد في الحديث من المجالسة والمعية، فإن الله تعالى يقول: “أنا جليس من ذكرني”، ويقول: “أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني” متفق عليه من حديث أبي هريرة. وفي رواية البيهقي: وأنا معه حين يذكرني. وللناس في المقصد بالذكر مقامان: فمقصد العامة اكتساب الأجور، ومقصد الخاصة القرب والحضور، وما بين المقامين بَوْن بعيد . فكم بين من يأخذ أجره وهو من وراء حجاب، وبين من يقرب حتى يكون من خواص الأحباب.واعلم أن الذكر على أنواع كثيرة : فمنها التهليل، والتسبيح، والتكبير، والحمد، والحوقلة، والحسبلة، وذكر كل اسم من أسماء الله تعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار، وغير التوحيد العام حاصل لكل مؤمن، وأما التكبير: فثمرته التعظيم والإجلال لذي الجلال، وأما الحمد والأسماء التي معناها الإحسان والرحمة كالرحمن الرحيم والكريم والغفار وشبه ذلك: فثمرتها ثلاث مقامات، وهي الشكر، وقوة الرجاء، والمحبة. فإنّ المحسن محبوب لا محالة. وأما الحوقلة والحسبلة : فثمرتها التوكل على الله والتفويض إلى الله، والثقة بالله وأما الأسماء التي معناها الاطلاع والإدراك كالعليم والسميع والبصير والقريب وشبه ذلك : فثمرتها المراقبة . وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: فثمرتها شدّة المحبة فيه، والمحافظة على اتباع سنته، وأما الاستغفار: فثمرته الاستقامة على التقوى، والمحافظة على شروط التوبة مع إنكسار القلب بسبب الذنوب المتقدمة. ثم إنّ ثمرة الذكر التي تجمع الأسماء والصفات مجموعة في الذكر الفرد وهو قولنا: الله، الله. فهذا هو الغاية وإليه المنتهى.
وقال ابن عجيبة في البحر المديد :الذكر هو أفضل الأعمال كما تقتضيه الأحاديث النبوية والآيات القرآنية، وهو أقرب الطرق الموصلة إلى الله تعالى، إذا كان بشيخ كامل، وقال أيضا(البحر المديد لابن عجيبة8/78/ط2) : قال بعض الحكماء في مدح الذكر والترغيب فيه: الذكر منشور الولاية، ولا بُد منه في البداية والنهاية،