عناية مشائخ التصوف بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تآليفهم وترتيباتهم فيها/ محمد عبد الرحمن عبدي
ولمشائخ التصوف رحمهم الله تعالى في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تأليف وترتيبات عنوا بها كثيرا، ووضعوا فيها تصانيف جليلة إذ لا تكاد تجد شيخ تربية صوفي إلا وخصه صلى الله عليه وسلم وأفرد له صلاة تعبد الله بها كالإمام الشيخ الشريف سيدي عبد القدرالجيلي في صلاته عليه وسماها” الكبريت الأحمر” والشريف الجزولي “في دلائل الخيرات” والبرزجي في صلاته عليه”أوثق العرى في الصلاة والسلام على خير الورى” وألف السيوطي رسالة في الصلاة عليه وكذلك السيد البكري. وهذا شيخنا الشيخ سيدي المختار الكنتي له صلاته البديعة عليه سماها” لب الألباب في الصلاة على النبي الأواب” أو “نفح الطيب في الصلاة على النبي الحبيب”، شرحه ابنه خليفته بشرح كبير سماه الروض الخصيب. كما للشيخ أبي العباس أحمد التجاني ” جوهرة الحقائق في الصلاة على خير الخلائق”، ولشيخنا الشيخ محمد فاضل صلاة عليه سماها” الستر الدائم للمذنب الهائم” ولأبنائه ومريديه صلوات بديعات عليه صلى الله عليه وسلم كشيخنا الشيخ سعد أبيه وشيخنا الشيخ ماء العينين وشيخنا الشيخ محمد فاضل بن محمد وشيخنا الشيخ عبد القادر بن الشيخ سيدي الخير وشيخنا الشيخ التراد ومن قبلهم من المشائخ خلائق كثيرة كما قال الشيخ سيدي المختار الكنتي:ومن بعدهم جاءت خلائق جمةعلى الحق لا يخشون صولة من جلببـــــداوية والقــــــادرية قبـــــــلهاومرسية للـــــشاذلية تنتــــــسبأفاض الله علينا وعلى الجميع من رحماته وأعاد علينا من بركاتهم.
قال الشيخ المجدد الكنتي في كتابه الكوكب: أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي أوردها المشائخ في هذا الورد المبارك فإنهم يعتمدون في ذلك على الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى(إن الله وملائكته يصلون على النبيء إلى سلموا تسليما)أما السنة فساق فيها جملة من الأحاديث المتقدمة، ونقل من صلاة ابن فرحون القرطبي أن في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عشر كرامات؛ إحداهن صلاة الملك الجبار، والثانية شفاعة النبي المختار، والثالثة الاقتداء بالملكوت الأبرار، والرابعة مخالفة المنافقين والكفار، والخامسة محو الخطايا والأوزار، والسادسة كونها عونا على قضاء الحوائج والأوطار، والسابعة تنوير الظواهر والأسرار، والثامنة النجاة من دار البوار، والتاسعة دخول دار القرار، والعاشرة سلام العزيز الغفار.
وينقل الشيخ سيدي المختار تفسير الشيخ أبي عبد الله الرصاع لصلاة الله على عبده أنها الرحمة التي هي الإنعام فمعناه أنه ينعم عليه نعمة ثم نعمة، ثم ينقل تعليق القاضي أبي عبد الله السكاك على صلاة الله التي تكون لمن صلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم كما في الأحاديث المتقدمة(شعب الإيمان البيهقي3/111، رقم 3035)) : حديث الأذان الذي أخرج مسلم وأبو داود والترمذي وأحمد والنسائي وابن حبان:”إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على فإنه من صلى على صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا ثم سلوا الله لى الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغى إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لى الوسيلة حلت عليه الشفاعة”(( ومسلم، و أحمد، وأبو داود ، والترمذي، والنسائي ، وابن حبان عن ابن عمرو)أخرجه أحمد (2/168 ، رقم 6568) ، ومسلم (1/288 ، رقم 384)، وأبو داود (1/144، رقم 523) ، والترمذى5/586 ، رقم 3614) وقال : حسن صحيح . والنسائي (2/25 ، رقم 678) ، وابن حبان (4/588 ، رقم 1690). وأخرج الطبراني في الأوسط (أوسط الطبراني7/187/رقم7225وفي الصغير2/26/899/ط1) والبيهقي ( شعب الإيمان البيهقي3/111، رقم 3035) في الشعب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشرا ومن صلي علي عشرا صلى الله عليه مائة ومن صلى علي مائة كتب الله له بين عينيه براءة من النفاق وبراءة من النار وأسكنه الله يوم القيامة مع الشهداء”.
قال الطبراني لم يروه عن حميد إلا عبد العزيز بن قيس تفرد به إبراهيم بن سالم بن سالم بن سالم الهجيمي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات، وقال أيضا وله عند النسائي من صلى علي واحدة صلى الله عليه وسلم بها عشرا. وصلاة الله هي الرحمة ، فمن رحمه الله رحمة واحدة فقد نال من الخيرات ما لا يحيط به إلا الله تعالى فما ظنك بعشر رحمات كم يدفع الله بها من البلايا والمحن وكم تجلب له ببركاتها من لطائف المنن، فمن رحمه الله تعالى رحمة واحدة كفاه هم الدنيا والآخرة فكيف بمن صلى عليه عشرا فقد اتسع جاهه صلى الله عليه وسلم حتى بلغ المصلي عليه هذا المقام العظيم الذي هو صلاة الله عليه، وإلا فمتى كان يستحق العبد أن يصلي الله عليه ولو أفنى عمره في استعمال الطاعات لأن صلاة واحدة من الله ترجح على عبادة الرجل عمره لأن الرجل إنما يصلي على حسب وسعه، والله سبحانه يصلي على العبد على حسب ربوبيته فربوبته لا تتناهى فما مبلغ ما يتناهى مما لا يتناهى، هذا حيث كانت صلاة واحدة فما ظنك إذا صلى عليك عشرا بكل صلاة،(ومائة كما في حديث الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب). هذا لمن صلى عليه محتسبا مخلصا قاصدا أداء حقه حبا فيه لا لمن قصد بذلك حظ نفسه من طلب الثواب ورجاء الإجابة لدعائه. وأما فوائد الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام التي قد وردت يقول الشيخ سيدي المختار فإنها لا تحد ولا تحصى منها ما فيها من التوسل إلى الله سبحانه بحبيبه ومصطفاه. وقال تعالى (وابتغوا إليه الوسيلة)، ولا وسيلىة أقرب إليه ولا أعظم من رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنها أن الله تعالى أمرنا بها وحضنا عليها تشريفا له وتكريما وتفضيلا وتعظيما ووعد من استعملها حسن المآب والفوز بجزيل الثواب، فهي من أنجح الأعمال وأرجح الأقوال وأزكى الأحوال وأحظى القربات وأعم البركات بها يتوصل إلى رضى الرحمن وتنال السعادة والرضوان وبها تظهر البركات وتجاب الدعوات ويرتقى إلى أرفع الدرجات. أخرج البخاري في تاريخه والترمذي في سننه وقال حسن غريب، وابن حبان في صحيحه والطبراني في معجمه الكبير وأبو يعلى، والشاشي في مسنديهما وابن عدي في ترجمة موسى بن يعقوب الزمعي عن عبد الله بن مسعود قال صلى الله عليه وسلم:”إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم على صلاةً”. لهذا جعل المشائخ الورد مائة من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم دبر كل صلاة ليجتمع من الصلاة عليهصلى الله عليه وسلم في كل يومين ألف فيكون قد فدى نفسه فيهما من النار.