النجاح محمذن فال في قراءة للقصة القصيرة جدا “نهاية بغل” للشيخ بكاي
غرز ثمانيةَ أرجلٍ و أرسل قرون استشعار عادت من السماء السابعة بطبل وبغل ، ونجم ومزنة..
رقصت المُزنة والطبلُ.. ومعهما رقص النجم والبغل الذي كان في عيون السحاب أنشودة…
غنت اللواقحُ … وانهمر المطر…
وحينما سَحَّ الماءُ و ساحَ، ابتلع البغلُ النجمَ…
قال مخلب مسموم للبغل أنت لي وانغرز…
ردت هواتف : “الناموس هنا أن يموت”…
السماء أمل اللقاء بين المعبود والعابدين، سواء علي المستوي الديني او الاسطوري .. لذلك أرسل إليها البطل المجهول ” قَرونا “بثمانية أرجل وليس فقط باربعة كما هو حال الفرس العادي ..
واضح ان القَرون هي أسرع أنواع الخيل اي أنها تلك التي تضع رجلها مكان يدها وهي بثمانية ارجل تسريعا للمهمة كي تتضاعف سرعتها (غرز ثمانية أرجل ) .
اما السماء السابعة فهي منتهى الامل وتحقيق الرغبات…
تنقلنا هذه القرون من عالم الارض إلي عالم الاسطورة …عالم الغيبيات الذي يتسع للاحْلام أكثر من غيره .. لكن لماذا القَرون بثمانية ارجل ؟ ألا يوحي اللجوء إلي السماء بالولع بالانتقام من خصم عنيد أعيا اهل الأرض !
ما تلبث القرون ان تعود محملة برغائب البطل المجهول الذي يحيل إليه فاعل مستتر لفعل غرز، في مسعى لتحقيق أقصى غايات الإبهام والغموض في القصة القصيرة جدا …
تأتي القَرون يحدوها الأمل من السماء السابعة لتتيح للبطل انزياح الهموم والاحزان .. ولتنهمر أهم بوادر أسس الحياة :
المُزنة التي تحيل الي الماء مصدر الحياة ؛ والبغل ذو الإيحاءات المتعددة والمنبثق عن القَرون ذات الدلالة الأسطورية السريالية.. والتي بها استطاعت ان تنقل أمل البطل المجهول إلي السماء السابعة بسرعة ثمانية أرجل … فعادت إلي جانب المزن والبغل بالطبل .. والنجم …
وللطبل نصيبه من الرمزية الموحية بالبدء وتجدد الحياة إذ يحيل الي فرح الاعراس الجميلة ونشوة الاحلام …خاصة تحت ضياء النجوم التي حضر أحدها ضمن حمولة القَرون..
أما وقد حضر النجم ليضيء دروب الحفل امام الراقصين ، فقد التام شخوص القصة في مشهدها السريالي على النحو التالي:
– بطل مجهول يتمثل في فاعل الفعل “غرز”..
– بطل رئيس هو قَرون، وهي فرس ذات سرعة خارقة لأنها بثمانية أرجل
– شخوص ثانويون منبثقون من رحلة القَرون
– طبل وبغل
– مزنة ونجم
ياتي هؤلاء الشخوص في ثنائية سريالية تتشكل من انسجام أهل الأرض فيما بينهم (طبل وبغل
وأهل الأعالي – السماء فيما بينهم (نجم ومزنة )..
وبهؤلا ء الشخوص تنتظم إدارة الحفل، لكن بطريقة تؤمن الالتحام بين أهل الارض وأهل السماء من أجل حفل بهيج !!
وهذا ما جعل الثنائي الارضي ينقسم.. وكذلك ثنائي السماء، فترقص المزنة مع الطبل ويرقص النجم مع البغل .. كل ذلك تحت زخات المطر ! .. هذا المطر الذي سينسجم فيما بعد مع جريان الدمع عن طريق فعل سحا الذي يشترك فيه تدفق الغيث مع دفق الدموع !!حيث ننتقل من المشهد السريالي إلي المشهد الدرامي المتمثل في الصراع بين أنوار المشهد السريالي المتمثلة في النجم في رمزيته للعلو والارتقاء و البغل في في رمزيته للوضاعة والخسة والعجز عن إدراك المستحيل !
ذلك الصراع الذي ينتج عنه ابتلاع البغل للنجم في ماساة كونية بمقتضاها تحل الخيبة محل الفرح ، فلا صدى للطبول، بل خيبة في عالم الاسطورة السريالية حين يبتلع أحقر أهل الارض نجم السماء !! ولا يبقي لرحلة القرون من معنى ..
وبغياب النجم ماوي الاحلام، والرجاء وجمال الحبيبة تتازم القصة لتصل الي الماساة ..
غير ان اللاوعي يتدخل في صيغة المعلوم (قال مخلب مسموم للبغل انت لي )
اما المخلب المسموم فهو العاشق المفترس الذي يريد أن يستعيد النجم- رمز الحلم من البغل- رمز الزيف والضعف والخسة، مقارنة مع القرون عن طريق الاتحاد ية بعد ان ابتلع النجم ( أنت لي ) وهو تعبير عن لقاء أزلي سريالي مفترض يكثر استخدامه عند نزار قباني خاصة ..
وبذلك يكون العاشق (المخلب) قد أزاح الستار شيئا ما عن البطل الذي بدا مجهولا في بداية القصة ليحضر في آخرها معلوما توحده عبارة انغَرز الواردة في بداية القصة مع صفته كمخلب في آخر القصة..
ونظرا لحاجة القصة القصيرة جدا إلي الضبابية والإبهام ؛ يظل المجهول حاضرا في آخرها: “الناموس هنا أن يموت”… حيث يبقى الفعل يموت بدون فاعل مما يعطي الانطباع بأن الفاعل الذي ظل مجهولا في بداية القصة “غرز ثمانية أرجل ” لايزال أيضا خصمه مجهولا ، رغم عتوه الذي استدعى الحضور الاسطوري السريالي لعالم السماء.. فلابد ان فاعل فعل (أن يموت ) هو الخصم !
ويعزز ذلك غياب عناصر الحفل من المشهد ( الطبل مع المزنة ) الذين كانا يمثلان مظهر الفرح في الحفل رغم التناقض بين عالميهما نظرا لحاجة القصة القصيرة الي ذلك .. في حين كان لبقية أركان الحفل مصير أسوأ حيث ابتلع البغل أسمي آيات الحفل الا وهو الحبيبة في رمزية النجم لجمالها كما ان النجوم توحي بما هو صعب المنال ..
أما نهاية الصراع وحسمه فقد كانت علي يد البطل (المخلب المسموم) ا الذي يشكل أحد تجليات البطل الفاعل لفعل غرز الذي امتلك في نهاية المطاف حبيبته مختزلا إياها في إبهام شديد في الإمساك بالبغل والسيطرة عليه ( انت لي ) أي أنت لي أزليا (الناموس هنا ان يموت ) أي القدر هنا من اجل ان يموت الخصم في تجليه في البغل ….
وينتصر البطل في تجليه الاول كفاعل لفعل ان غ،َرز ، وتجليه الثاني في القَرون ، وتجليه الثالث في المخلب الذي سيطر علي البغل ليحرر النجم من طغيان البغل ..
تاتي قصة نهاية بغل لتحلق بعيدا في أفق جامح جمع بين ما هو أسطوري سريالي في تآلف من المتناقضات غير منتظم حسب ما تقتضيه السريالية بموجبه يحقق الفرد أقصي غايات أحلامه بعيدا عن سيطرة العقل وتحكم كل مقتضياته.