إبداع موريتاني :مُصَغَّرَةُ التاه / الشيخ معاذ سيدي عبد الله
المصغرات .. إبداع من نتاج العبقرية الشعرية الشنقيطية، وعندما تذكر تقفز إلى الذهن تلك المهاجاة المشهورة بين الشاعرين محمد ولد أبنُ والمصباح ولد حبيب الله ..لقد تفتقت عبقرية الشاعرين عن هذا الأسلوب من النقائض، وهو أسلوب يتعامل مع اللغة من زاوية ماورائية، لا تهتم بالمعنى الحدّي للكلمة قدر إهتمامها بما يمنحها إياها البناء الصرفي الجديد، وهو بناء يصغّر الكلمة كنوع من الإمعان في احتقار الخصم، وازدراء للغة التي يتم خطابه بها ..
وهكذا أبانت المصغرات عن تمكن الشعراء الشناقطة من اللغة، وقدرتهم على تطويعها وإكسابها بعدا جماليا صنعت تيجانه من القبح والتصغير …وبعيدا عن الموقف الأخلاقي من غرض الهجاء فإن ما اتفقت عليه الذائقة الأدبية في هذه البلاد أن ذروة الابداع هي ما اختطه العبقريان ولد ابْنُ والمصباح.
يقول ولد ابْنُ في مستهل مصغرته :
أثار غُريِّمي وشجا عُقيْلي = طُليلٌ للحبيب بالتُّلَيْلِ
نظرت رُسيْمه فجرى دُمَيعي =
وسال على نُحَيْري كالسُّيَيْلِ
وظل صُويحبي حيران تجري
عبيرته بذياك الطليلِ
فطال نُهيِّري وغلا نُفيْسي
وطار سهيدي ودجا لييلي.
ويقول المصباح :
وقفت على التليل فبت ليلي
دَيينا من طليل بالتليل
طليل من عُبيلة لاتلم يا
عُويذل إن حبستُ به جُمَيلي
طليلات العقيلات اعتراني
غريّمها السُّويلب للعُقيل
القصيدتان طويلتان، ونكتفي منهما بهذه الأبيات..
قلت إن المصغرات تكاد تكون خاصية لهذين الشاعرين، ومع ذلك فقد عثرت على نص للعلامة والشاعر المختار ولد حامدن (التاه) رحمه الله، وهو من شعر المصغرات لكن غرضه ليس الهجاء، وإنما نمط آخر من أنماط الشعر العربي ، مثلته قطعة ( قل للمليحة في الخمار الأسود) المعروفة.
وميزة مصغرة المختار أنها سلكت (لزوم ما لا يلزم) فقصرت التصغير على القوافي فقط.
لهذه المصغرة قصة طريفة،لا يسمح الحيز بنشرها، و أما نصها فهو :
ليلة صفو بت شرقي أيدمِ == ذكرتُ بها عهدا مضى بالمُرَيْدِمِ
مصصتُ بها خِلفاً من اللهو موخراً == شبعتُ به مصًّا مضى من قُوَيْدِمِ
فيالك من ليلٍ به لحبيبة == لها ابن عبيدٍ أو هو ابن خُوَيدِمِ
وقد كنت حيناً من هوىً في استراحة ==إلى أن طلعتُ السلْكَ من شرق أيدِمِ
فأطلعني الهَدّامُ أَيْدِمُ تعبةً == من الحب يا مالي وهذا الهويدمِ
فدىً لروابي أيدمٍ كل مرقبٍ == من الأرض مُبْيَضٌّ وكل أُوَيْدِمِ
وأهلا وسهلا بالخيال الذي سرى == بأيدم وهناً من خيال قُويدمِ
ولا أعدِمَنْهُ طارقا كل ليلة == ولا كان ذاك الطيف ُ ليلاً عُوَيْدِمِي
وَيَا من شفائي من ضنايَ ازديارها == وَيَا من هواها قاتلي فرُوَيْدِمِي
هجرتك أياماً بأيدِم إنني == على ذلك الهجران جدُّ نُوَيْدِمِ
ولم يبقِ مني هجركم عند أيدمٍ == سوى من قد ابقى من عصاهُ اللويدمي
فها أنا مقتول وحبكِ قاتلي == وها أنا مهدوم وهو هويدمي
من صفحة الشيخ معاذ سيدي عبد الله على الفيسبوك