خاطرة../ المرتضى محمد اشفاق
ظل كثير من الناس في حديثه عن الحب والعلاقة بين الرجل والمرأة يتخبط في لغة معتمة، ومفاهيم مبهمة … فالحب أو العشق أو العلاقة بين “الطرفين” عندهم مبنية أساسا على المفهوم الغريزي (الجنس)..وتعتبر إثما يمارس في السر والظلام بعيدا عن أعين الرقباء…..الحب غير الجنس … في اللغة الفرنسية نميز بين الحب(amour) والجنس(sexe)، ففي كلمة (amour) (âme) الروح (أي علاقة روحية)، تفسر أنها أصفى وأعمق وأسمى من تلبية نزوة غريزية يستوي في الحاجة إليها الإنسان والحيوان، لأنها ضرورية لاستمرار النوع…ولو لم تشحن بحرارة الغريزة الدافعة إلى طلب تفريغ النزوة في الطرف النقيض لتوقفت الحياة وتعطلت خاصية التجدد الوجودي….أما الحب فهو خارج عن دائرة الإثم والمحاسبة … لأنه حالة عاطفية جميلة جدا، مبهمة وغريبة … إعصار نفسي تعيش فيه وفي لحظة زمنية واحدة كل فصول السنة، فيها صفو وغيم وحرارة وبرودة ورعود ومطر ورياح..فيها عشب أخضر وجداول..فيها البحر والشاطئ….فيها الدر والحصى، وفيها الصمغ والنوار… وفيه شيء من الجنون….
الحب هو تعلق لا محدود قد يكون وليد انتباه مفاجئ… وقد يكون بتناغم فكري، أو أدبي، أو انسجام ذوقي…وحتى سياسي ومهني….وقد يكون خارجا على دائرة الأسباب والمبررات….لكنه هو القوة التي تدفعك إلى أن تكون….فوراء كل عظيم امرأة ووراء كل عظيمة رجل…..الحب يدفعنا إلى أن نبدع….إلى أن نتميز…إلى أن نقود…ولا يكون هذا أبدا وليد يقظة مفاجئة للغريزة الجنسية…صحيح قد تبهرك (أويبهرك ) منظر فاتن لشخص التقيته مصادفة عند الجزار، أو في مكب للقمامة، كما تبهرك فيلا راقية أو سيارة فارهة…
لأن النفوس تحب الجمال….لكن الجمال مظهر سطحي قد يقود إلى الإحباط والتلوث…كما يغريك الجدول الرقراق بصفاء مائه فإذا تقدمت خطوة غاصت رجلاك في الوحل والعفن…وقد يستهويك طبق طعام بما يعلوه من قطع متنوعة، مرتبة بصورة بديعة تسيل لعاب الشهية بسرعة، لتدرك أن القشرة الرقيقة المنمقة تغطي جيف فئران متحللة.. الحب ليس انحدارا إلى مزالق الغريزة، ولا سباحة وسخة في مستنقعات الجنس الرخيص..بل حالة تدفع صاحبها إلى التعالي والترقي في أسمى مواقع النفوس الكبيرة…إذا فشل العاشق في دغدغة قلب المحبوب عوض بالإنكار والتكبر غير مدرك أنه يتعذب عشقا وتعلقا بالشارد الذي لا يلتفت إليه، وأن ذلك الشرود هو الحرارة التي تفجر فيه ينابيع الخلق والإبداع خطبا لِوُدٍّ، واستمناحا لِلَفْتَة..