في الذاكرة.. الذكرة 32 للافراج عن الزعيم نيلسون مانديلا
11 فبراير 1990 .. 11 فبراير 2022
تحل اليوم الذكرى 32 للإفراج عن “أبرز الأسرى” في التاريخ المعاصر، الزعيم نيلسون مانديلا، رمز الكفاح ضد التمييز العنصري في إفريقيا والعالم. ويحمل هذا اليوم من المعاني والدلالات التاريخية والإنسانية ما لا يمكن حصره في مجلدات، وبالأحرى في سطور وكلمات. لن أطيل الحديث عن رجل جرت الألسنة بنضاله حتى صار كالأمثال شهرة وكالنجوم ظهورا. سأكتفي بتذكار ذلك اليوم الجميل الذي صافحته فيه.
31 مارس 1993، كان من حسن حظي أن اختارني الحزب الجمهوري لتمثيله في مؤتمر دولي للتضامن مع المؤتمر الوطني الأفريقي ينعقد في جوهانسبرج تحضيرا لأول انتخابات حرّة يزمع إجراؤها في إبريل 1994. وهي الانتخابات التي ستوصل الزعيم نيلسون مانديلا لرئاسة الجمهورية. غادرت نواكشوط متجها دكار للحصول على تأشيرة سفر من المكتب الإقليمي لحركة ANC. وكان ملفي كاملا – دعوة رسمية وتذكرة سفر وشهادة صحة و شيء من الزاد – ومع ذلك، ظللت يساورني الشك والقلق بشأن التأشيرة، لأن جواز سفري يحمل رسميا إشارة: “ممنوع دخول إسرائيل وجنوب إفريقيا”.
وصلت دكار، واتجهت فورا إلى مكتب الحركة. وعند مدخل المبنى، سعدت وتشرفت بلقاء أخي وصديقي “الحاجي تراوري” (Ladgi Traoré) الذي كان يستعد لنفس الرحلة نيابة عن حزب اتحاد القوى الديموقراطية. في اليوم الموالي، استلمت جواز سفري مختوما بتأشيرة دخول، ولاحظت محو أسم جنوب إفريقيا بحبر أسود سميك من خانة “الممنوع”. غادرت نفس الليلة على الخطوط الأفريقية في رحلة مباشرة من دكار إلى جوهانسبورغ. وبعد 8 ساعات من الطيران، وصلت مطار جوهانسبرج.
وكانت ساعتها مرحلة الانتقال من نظام التمييز العنصري إلى النظام الجديد ما زالت في خطواتها الأولى هشة وضعيفة. والمطار بالذات ما زال يخضع لقوانين التمييز. اندهشت عندما رأيت اللافتات والملصقات تشير إلى 3 طوابير أمام شرطة الجوازات: طابور خاص بالبيض وطابور خاص بالسود وطابور خاص بالملونين.. حسبت نفسي من البيض، ولكن أحد أفراد الشرطة ألمع بيده إلى طابور الملونين. وقفت حائرا وغارقا في مشاعر من الغضب والتمرد والأسى لم أشعر بمثلها من قبل.. من المطار إلى الفندق، كنت أرى على طول الطريق مشاهد لا يصدقها العقل.. كان التمييز العنصري يلفظ أنفاسه الأخيرة، والعهد الجديد يشق طريقه بصعوبة.
في اليوم الثاني من الندوة، أبلغت بأن الوفود ستلتقي الزعيم. أبهجني الخبر وغمرتني فرحة عارمة بمجرد التفكير بأنني سأصافح مانديلا! كنت قد رأيت الرجل مرات عديدة في الصور. وناديت باسمه وهتفت بحياته ورفعت صورته في شوارع نواكشوط ضد التمييز العنصري.. كنت دائما معه “معية” دعم وتأييد ومناصرة، واليوم سأكون معه “معية” حسية. وفي الوقت المحدد، التحقت بسلسلة بشرية تضم ما يقارب 100 مندوب من دول غرب إفريقيا. كنا نمرّ على الزعيم و نصافحه الواحد تلوَ الآخر في أقل من دقيقة. وعندما وصلت إليه، شعرت بارتباك وانبهار أمام “الطود الشامخ” الذي قهر 27 عامًا من السجن، منها 18 عامًا في جزيرة روبن. مددت له يدي باحترام و وقار، وهنّأته بالنصر المبين ودعوت له وعرّفته على بلدي ونفسي. كان مبتسما وشاكرا وسعيدا. وحين أردتُ توديعه وإفساح المجال لغيري، مسك بيدي ضاحكا ومداعبا، وقال : “أقدم لك الدكتور محمد فالِ موسى، أحد كبار المفاوضين في حزبنا. لعله ابن عمك .. خذه معك! “. قلت على البديهة بإنجليزية ضعيفة دون انتظار الترجمة:
This is just another proof of your generosity, Sir
وما هذا إلا دليل آخر على جودكم وكرمكم، سيدي!
وصافحت ابن عمي، وغادرت
.انتهت الرحلة..
وفي ابريل 2003، ابتسم لي الحظ مرة ثانية بالعودة إلى جنوب إفريقيا للمشاركة في اجتماع برلماني صحبة زميلي محمد عبد الله ولد گلاي، تغمده الله بواسع رحمته، (والله ألّ وخيرت). و قمنا معا بزيارة الزنزانة التي سجن فيها الزعيم “مانديلا” في جزيرة “روبين” (الصورة)؛ زنزانة صغيرة جدا جدا لدرجة أنه لم يستطع الاستلقاء فيها لينام طيلة 18 عاما.
وفي ابريل 2003، ابتسم لي الحظ مرة ثانية بالعودة إلى جنوب إفريقيا للمشاركة في اجتماع برلماني صحبة زميلي محمد عبد الله ولد گلاي، تغمده الله بواسع رحمته، (والله ألّ وخيرت). و قمنا معا بزيارة الزنزانة التي سجن فيها الزعيم “مانديلا” في جزيرة “روبين” (الصورة)؛ زنزانة صغيرة جدا جدا لدرجة أنه لم يستطع الاستلقاء فيها لينام طيلة 18 عاما.
ذكريات لا تنسى..