محمد عبد الرحمن عبدي يكتب عن الراحل الداه بن محمد عالي
في رحيل الأستاذ العلامة الداه بن محمد عالي تداعت أقلام سدنة الحرف والبيان طوال الأيام الماضية شعرا ونثرا معزية في رحيل أستاذنا الأجل الداه ولد محمد عالي من خاصته وحاضنته أهلا وتلاميذ ومريدين، حتى لم يبق الشعراء والأدباء والكتاب لذي مقال مقال، وكانوا أهل ذلك، وهم أهل الفقيد العارفين به أكثر من غيرهم. تعرفت على الفتى الداه ولد محمد عالي رحمه الله تعالى 1975 حين افتتح القسم العربي في إعدادية تجكجة، فتولى تدريسنا مادة الرياضيات مع تدريس مجال تخصصه بدون منازع، أي مادة اللغة العربية.
لقد انبهرنا بعلم الرجل وأدبه واستقامته وورعه وإتقانه علوم اللغة العربية نحوا وصرفا وبلاغة وبيانا، ونثرا وأشعارا وعروضا، وإتقانه كذلك علم الدوال، فهو يتقن إيصال العلم حتى علوم الرياضيات، حببها إلي فكددت أتخصص فيها. ليس العجب في تدريسه مادة الرياضيات التي لا يدرسها بالعربية يومئذ إلا المصريون أو غيرهم من بعض الدول العربية فحسب، بل العجب من أنه رحمه الله آت حديث العهد بمدرسة تكوين المعلمين، وإنما لمكانته العلمية وتفوقه الذي لم يفت وزارة التعليم، فحولته للتدريس في التعليم الثانوي بدل التعليم الابتدائي.لقد أخذتي في بداية مشواري إلى هذا الفن فن الكتابة، فأنا مدين له فيه، كان امتحانه الأول لنا في اللغة العربية كتابة مقال عن حادثة روعت ساكنة المدينة في شتاء يوم عاصف من ذلك العام في وصف انفجار مهول وقع في قلب سوق مدينة تجكجة كان له ضحاياه. وعادته رحمه الله تعالى في رد النتائج أن يرتبها بكل دقة ويمنح العلامة بكل أمانة ونزاهة وأدب مع بسط ملاحظاته بكل قوة بلا مواربة، فهو مرب بكل معنى الكلمة، يأتي النتائج من الأدنى إلى الأعلى، الفائز الأول آخر من يتسلم نتيجته، كنت الأخير، شجعنى وأثنى على العمل.
لم يمكث معنا الداه ولد محمد عالي رحمه الله تعالى إلا عاما واحدا حفر في ذاكرة الأيام، وبعد فرقة دهر، فاجأني يوم جمعة على باب مسجد الحدائق بالسبخة بداية دجمبر 1990 آخذا بيدي غير ناس، أخذ يثني على مقال قرأه في جريدة الشعب كتبته عن:” مذكرات زائر ولاتة المدينة والمسجد وضريح الشيخ الصالح”، كأنما يذكرني بما قال عن مقال حادثة تجكجة 1975.لا غرو، فالداه سليل دوحة علم وأدب وورع وتقوى ضاربة في جذور التاريخ كابرا عن كابر. لقد عرفت الآن من خلال تعازيه أنه عالم في الشريعة، وإني وإياه نتمي لذات المدرسة الصوفية، لقد رأيت من نظمه وتوسليته بمشائخه من سلاسل الدر والياقوت والذهب من أرباب القلوب، مشائخ التربية، تربية القلوب، أولياء الله تعالى، فقد سلك طريقهم وانتظم في سلكهم، توسلية أحسن تركيبها في توسلية الشيخ سيدي عبد الله بن أحمد دام. الداه ولد محمد عالي خليفة والده قام مقامه. ورث مرتبة أبيه العلامة الشيخ الرباني الفقيه محمد عالي بن محنض الآخذ المتصدرعن ابن عمه الشيخ محمدن بن الشيخ أحمد الآخذ والمتصدر على يد أبيه الشيخ أحمد بن الفالي صاحب الإجازة من الشيخ سيدي بن المختار بن الهيبة المتصدر على يد أشياخه الشيخ سيدي المختار بادي وأعمامه وأبيه الشيخ سيدي محمد الخليفة، خليفة والده المجدد الشيخ أبي زين العابدين سيدي المختار الكنتي إلى مشائخ الرقاقدة الكنتيين إلى أبيهم الشيخ سيدي أحمد الفيرم، ثم جدهم الأعلى سيدي عمر الشيخ ثم المغيلي والسبوطي والثعالبي والشاذلي وابن مشيش وأبي مدين شعيب بن الحسن إلى الجيلي مدار السلسلة إلى الجنيد إلى الحسن البصري إلى الحسن السبط عن أبيه علي كرم الله وجهه أخذا عن سيد الأولين والآخرين رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن اللوح عن القلم عن رب العالمين جل جلاله.
كان حقا علي أن أكون السابق في الكتابة عن أستاذي الداه رحمه الله تعالى، ورجائي أن أعذر. فمن ركب الثور بعد الجواد أنكر أظلافه والغبببارك الله في عقبه وأهل بيته من بعده وابقى فيهم البركة والعلم والتقوى إلى يوم الدين. اغفر له ربنا وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة بغير حساب وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار، ومنكر ونكير. انزله منازلك العليا في فردوسك الأعلى في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.