هل يعلن بايدن “الجهاد” ضد الروس؟/ سفيان بن مصطفى بنحسين
7 مارس 2022، 03:15 صباحًا
“إنهم يذكروننا بالآباء المحررين”، بهذه العبارات وصف ريغن المقاتلين الأفغان والعرب ضد الوجود السوفياتي في ثمانينات القرن الماضي قبل أن يتحول هؤلاء بقدرة قادر إلى رمز للتخلف والهمجية حين شقوا عصا الطاعة وقلبوا للعم سام ظهر المجن، وبعبارات إطراء مرادفة إختار جون ماكين السناتور الأمريكي أن يصف العصابات المقاتلة في سوريا، كان هؤلاء وأمثالهم مجاهدين تحت الطلب، جندتهم أمريكا في ليبيا ليكونوا جيش البر الذي إعتمده الناتو للقضاء على الجماهيرية العظمى وتستعد اليوم لتجنيدهم لمواجهة الروس مرة أخرى بعد أن لعبوا دورا محوريا في تدمير الجيش الأحمر.
يعتبر “إدوارد لورنس” أو “لورنس العرب” أول منظِّرٍ لتجنيد العرب بإسم الجهاد المقدس خدمة لمصالح الإمبراطوريات الكولونيالية، قديما كانت بريطانيا وفرنسا تحملهم قسرا إلى أتون المعارك، وليس المقاتل المكره على القتال كالمؤمن بقدسية قضية ندب نفسه لخدمتها، يقول لورنس لقادته البريطانيين إبان الحرب العالمية الأولى حين كان يقود جحافل المجاهدين العرب “إن الحرب بيننا وبين العثمانيين هي حرب بين الجيش النظامي والدراويش ونحن هنا نمثل الدراويش”، أدرك لورنس مبكرا أهمية الإستعانة بمجاهدين من البلاد العربية يَقتُلون ويُقتَلون في سبيل بريطانيا العظمى وقد كانت سياسته ملهمة للعم سام الذي ما عتم حتى إستخدمها في كل غزواته على البلاد العربية، وبعد عقود طويلة كان ثوار الناتو في ليبيا يكبّرون وهم يقاتلون تحت غطاء جوي من الحلف الإرهابي وكان اليهودي الفرنسي برنار ليفي “أمير الجماعة الخفي” يلعب الدور الذي لعبه لورنس منذ قرن من الزمان، وبدعاية إعلامية قذرة تتبناها القنوات العربية عن وعي أو عن جهل تتم شيطنة كل عدو لسياسة الغرب، فالقذافي تحول إلى حفيد إمرأة يهودية والحال أن اليهودي الوحيد على الأرض هو أمير الجماعة “برنار ليفي”، أو لم ينحجب العلم الأخضر وراء ستار من الضباب بظهور علم الناتو فوق رابية من الجماجم؟ أما بشار فبات حامي الحدود الصهيونية والحال أن كل الغارات الصهيونية لم تستهدف نقطة واحدة تسيطر عليها الجماعات الجهادية بل الأنكى أن الصهاينة تكفلوا بعلاج بعض “المجاهدين” وإعادتهم إلى ساحات الوغى، وقبل ذلك بعقود كان صدام “كافرا بإجماع العلماء” كما صرح إبن باز، صدام كان كافرا وهو يقاتل تحت راية الله أكبر ويقصف أوكار الشر والرذيلة في فلسطين المحتلة، كان كافرا بجبنهم وخنوعهم وخيانتهم واليوم ننتظر بين ليلة وأخرى فتاوى تدعو إلى النفير في أوكرانيا الشقيقة للتصدي للغزو الروسي والدفاع عن بلد شارك في غزو العراق وكان داعما قويا للصهاينة في عدوانهم على المرابطين في غزة.
كأن الماضي ظل مراوحا لا يريد أن يرحل أو يلوذ بذمة التاريخ، نحن أمة لا تعتبر، لا ذاكرة لها، تكرر أخطاءها بشكل دوري عجيب، أي مبرر يجعلنا نقف في الجانب المقابل للروس من متراس هذه المواجهة، إن الحلف لم يصوب أسلحته نحو أي رقعة في الأرض كما صوبها نحو الأرض العربية، هذا الحلف الذي يسعى للتمدد شرقا على حساب الروس سيعود إن إنتصر أكثر بطشا، ولن تطال سياطه غير العرب، الحق بيّن والباطل بيّن وعدو عدوي ليس صديقي فقط وإنما أخي الذي تجمعني به وحدة المصير، لكن التاريخ بطارفه وتليده يحدثنا أن “المجاهدين” هم قوات النخبة الحقيقية في جيش الناتو وأنه سيتم الزج بهم بوسيلة أو أخرى في المعارك الدائرة وربما تأتي فتوى شبيهة بفتوى إبن باز لتلقي بآلاف الشباب العربي في أتون الحرب، فأوكرانيا التي تنهار منذ ساعات الحرب الأولى رغم المدد الأوروبي بالعدة والعتاد ليست سوى ساحة مواجهة بين الروس العازمين على إستعادة أمجاد الماضي القريب وبين القوى الكولونيالية ممثلة بأمريكا وأتباعها في أوروبا، والتحرك الروسي لم يأت إلا لدرء العدوان الناتوي وإيقاف التمدد الشرقي للحلف في جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق، وما الناتو إلا الوريث الشرعي لقوات مستعمر الأمس وإلا إمتدادا لجيوش كليمنصو واللويد جورج وموسليني وديغول وعلينا أن نختار بين الوقوف “كأبي رغال” في صف الغزاة وبين مساندة روسيا “قلب الشرق النابض” في معركة كسر العظم.
الروس لا يدافعون عن أرضهم ضد التمدد الناتوي وإنما عن كل أولئك الذين كانوا ولا يزالون هدفا لدول الحلف الإرهابي في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها، وحتى الوقوف على الحياد في هذه المعركة لن يكون دافعه سوى الجبن أو التبعية للإستعمار الجديد. إن الحرب الأوكرانية تعري زيف كل المبادئ التي ينادي بها الغرب، أكثر من مليون طفل عراقي إرتقى شهيدا أثناء الحصار دون أن تبكيه أوروبا ودون أن تفرض الفيفا عقوباتها على الأندية والمنتخبات الأمريكية والبريطانية ودون أن تتحرك “الفورميلا 1” ضد السائقين من دول العدوان ودون أن تقاطع شركات السيارات الأسواق الأمريكية، إنه عالم منافق كريه أشبه بغراب ينتشي برائحة الجيف، هو غياب الحياء في أبرز تجلياته ما يدفع بوش إلى التنديد بالغزو الروسي ويجعل العصابة الصهيونية الإرهابية القائمة على وطن أسير شعبه في الشتات تندد بالإحتلال، وهو الجهل المقدس ما يدفع بالمجاهدين إلى تناسي فلسطين والمرور إلى أوكرانيا كأن طريق القدس يمر عبر كييف. لعلنا سنقول ما قاله الملك اليوناني بيروس ونحن نودع أبناءنا الذين سيجندهم شيوخ الكفر والضلال “إلهي لا تحقق لي المزيد من الإنتصارات”، نسأل الله الهزيمة لمجاهدي أمريكا والنصر المؤزر للروس. إن الحياد في معارك يخوضها حلف الناتو خيانة.