كتب فقيد القلم الحر أندريه فولتشيك André Vltchek قبيل وفاته في 2020:
“من لندن إلى واشنطن، يعمل مروجو البروباغندا “المحترمون” على حماية الناس في جميع أنحاء العالم من “الحقائق المزعجة”. يتم تصنيع الرأي العام والإيديولوجيا والتصورات. مثل السيارات والهواتف الذكية ذات الإنتاج الضخم، يتم تسويقها من خلال البروباغندا والإعلام. لقد ألهم الدور الدعائي لوسائل الإعلام ناعوم شومكي لكتابة العديد من الكتب، وقراءتها ضرورية لفهم كيفية إدارة العالم. لقد كتبت أيضًا عددًا لا يحصى من المقالات التي توضح حالات التلاعب الأيديولوجي من قبل القوى الغربية ومؤسساتها، وغالبًا ما تتناول قضايا مثل البروباغندا الدعائية التي تنغمس فيها وسائل الإعلام الرئيسية… لقد سيطر الخوف والعدمية على الكوكب بأسره. الخوف من أن تكون هدفاً لـ “عقاب” أسياد العالم الغربيين. الخوف من أن يتم وضع “الوصمة”، المقاطعة والتهميش، وصمة “العدمية” يتم حملها أيضًا من قبل الدعاة les propagandistes الراسخين في وسائل الإعلام والجامعات في الغرب، الأباراتشيك المستأجرون لمهاجمة أي فكرة تقدمية ومستقلة، بغض النظر عن شكلها أو أصلها. التفاؤل والحماسة المتشددة والحلم بعالم أفضل تتعرض للهجوم والتشويه وفقدان المصداقية، وفي أحسن الأحوال التهكم والسخرية”.
أنقذ الموت أندريه، الذي أصدر مع ناعوم شومسكي في 2015 كتابا مشتركا بعنوان “الغرب الإرهابي، من هيروشيما إلى حرب الدرون” من رؤية “الحرب العالمية المشهدية” التي نعيشها منذ 24 فبراير 2022.
لكن من سلوفاكيا، رفع مؤلف “في العاصفة الفيروسية”، الفيلسوف سلوفاك زيزيك الصوت ردا على المظاهر العنصرية التي رافقت الحرب في أوكرانيا منذ لحظاتها الأولى: “أخجل من بلدي سلوفاكيا الذي يغلق الباب أمام اللاجئين من غير البيض الشقر”. وعلى حمى المزاودات والديماغوجية يجيب: “عن أية أوربة تريدوننا أن ندافع، أوربة القديمة القومجية، المتمثلة في هنغاريا وبولونيا إلخ؟ في هذا الحال سيكون الأمر مصيبة… الطريقة التي يتم فيها استثمار وتوظيف واحتكار فكرة التضامن مع الشعب الأوكراني تثير الاشمئزاز، إذا تحدثت بعين موضوعية يُعتبر ذلك دفاعا عن بوتين، إذا استمرت الأمور بهذا الشكل فهذه كارثة”..
ظهرت أمامي صورة الرئيس الأمريكي جو بايدن، على قنوات العالم “مباشر”، يوقّع ويقول: “قدمنا لأوكرانيا في أسبوع 100 مليار دولار مساعدات عسكرية”.. هي نفسها الولايات المتحدة، التي نصبت على رأسنا “أصدقاء الشعب السوري”، وقادت غرفتي الموم والموك للفصائل السورية المسلحة ومن ثم انتقلت لدعم قسد، لكنها لم تقدم لحلفائها العسكريين في الحالتين معا، وفي 11 عاما، سوى قرابة 1% مما قدمته لأوكرانيا في أسبوع ؟..
لم يحتج الأمر لأكثر من شهر من القتال في أوكرانيا، لتبدو للمراقب، خفايا التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، وحتى أكثر المسؤولين الأوربيين حذرا وحصافة والخارجية الروسية، يفشلون جهرا، في الرقابة الذاتية على تصريحاتهم. ولعل جوزيب بوريل، الدبلوماسي الإسباني-الأوربي كان من أوائل هؤلاء عندما رد على اتهامات الرئيس الأوكراني بترك أوكرانيا وحدها في الحرب بالقول: “لقد أوفت أوربة بكل الالتزامات التي قدمناها للأوكرانيين”… عن أية التزامات يتحدث؟ وبماذا وعد الاتحاد الأوربي المسؤولين الأوكرانيين؟ المستشار السياسي للسفارة الأوكرانية بالقاهرة، المتواضع الثقافة والخبرة، يعلن بأن بلاده في حرب مع روسيا منذ 2014 وأن العملية الحالية تصعيد خطير في هذه الحرب. وزير الخارجية الأمريكية بلينكن يقع أيضا في فخ المقابلات المفرطة ويقول: “علينا أن نحضر قيادة أوكرانية بديلة في حال اغتيال الرئيس الأوكراني”؟ طبعا لم يسأله الصحفي: لماذا يحق لكم اختيار قيادة أوكرانية جديدة ولا يحق لبوتين ذلك؟ السيد سيرجي لافروف أيضا، صاحب الخبرة الدبلوماسية الطويلة، يجد ما يقول في تفسير “العملية العسكرية الخاصة”، ليست إعلان حرب، يذكّر الناتو بالكوسوفو والقصف على صربيا، قبل أن يعود لأفغانستان والعراق وليبيا، متناسيا سوريا، ومذكرا بأن مصطلح collateral damages هو اختراع أمريكي غربي، ولا معنى لعدم عولمته ليشمل الجيش الروسي!! على مبدأ : “من كان منكم بلا خطيئة، فليقذف الجندي الروسي بحجر”.. بتعبير آخر: ما يفعله الجيش الروسي اليوم يشكل شرعنة لما فعلته قوات الناتو بالأمس.. مع فارق بسيط، “كنتم فوق العقوبات والمحاسبة القضائية، فلماذا تضعوننا تحتها؟”.
إن كانت البروباغندا الروسية تستحضر في ذهننا الطرفة الشعبية السورية (قام الدب ليرقص أكل ست سبع أنفس)، فإن البروباغندا الغربية تذكرنا حول أوكرانيا بالصورة المتخيلة للشاعر الفيلسوف عمر الخيام لحوار بين مومس ورجل دين.. فبعد أن وصف رجل الدين المومس بكل الموبقات، ردت عليه المومس بالقول:
حقا أنا كما قلت لكن هل أنت كما للناس تبدو؟
استغربت تصريحات صديق “باحث” في مطلع آذار/مارس 2022 كرر فيها ما قاله سفير أوكرانيا في نيويورك من أن الجيش الأوكراني قتل 11 ألف جندي روسي، اتصلت به قائلا: “يا رجل إذا كان هذا صحيحا فالجيش الروسي صليب أحمر مسلح يفضل موت جنوده على إصابة المدنيين، جلسّها شوي؟”، أجاب حرفيا: “عزيزي نحن في حرب تسونامية، إذا لم تشارك بها فأنت بالضرورة مع المجرم بوتين”…
“نحن بحاجة للتركيز على صورة البراءة الأوكرانية لإفشال الغزو الروسي”، قالها مسؤول في الناتو متناسيا أنه هو نفسه، من حذر في 2014 من التسليح العشوائي لأوكرانيا ومشاركة أوربيين أجانب من أقصى اليمين باسم “الحرب على الإرهاب”؟ كيف تحولت رئيسة المفوضة الأوربية أورسولا فان دير لاين عن خطابها يوم كانت وزيرة الدفاع الألمانية وقالت فيه حرفيا قبل سبع سنوات في مؤتمر ميونيخ للأمن: “لدى ألمانيا في وضع الصراع، فرصة لإثبات أنه في القرن الحادي والعشرين، يجب على الدول المتقدمة تسوية نزاعاتها من خلال المفاوضات”. وأضافت: “إن تزويد السلطات الأوكرانية بالسلاح لمساعدتها للدفاع عن نفسها قد يكون له عواقب غير متوقعة ومميتة”، “تسليم الأسلحة سيكون بمثابة تسريع للحرائق. وهذا قد يعطي الكرملين ذريعة للتدخل علانية في هذا الصراع”… إلى الحديث عن مساعدات عسكرية ضرورية لصمود الأوكرانيين في وجه العدوان الروسي؟ كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أوائل من نبه إلى مخاطر المتطرفين شرقي أوكرانيا عندما “حثت الرئيس بوروشنكو على الحفاظ على حس التناسب في أفعاله المشروعة ضد الانفصاليين وحماية السكان المدنيين” خلال “عملياته لمكافحة الإرهاب”.
ألم تفترض اتفاقات مينسك الثانية التي كانت ألمانيا طرفا فيها والسارية منذ شباط / فبراير 2015، “انسحاب جميع الجماعات المسلحة الأجنبية والمعدات العسكرية والمرتزقة من الأراضي الأوكرانية”؟ هل من الضروري التذكير بتصريح السيدة آن ماري ليزان رئيسة مجلس الشيوخ البلجيكي بعد عودتها من اجتماع لمجلس التعاون والأمن الأوربي لنا في باريس في ندوة تضامن مع أوكرانيا: “إن وجود آزوف ومقاتلين أجانب في البلاد من الصعوبات التي تحول دون التزام الحكومة باتفاقات مينسك”؟ تبحث القنوات الأخبارية عن Title لكل من يظهر للحديث عن أوكرانيا: خبير في الشؤون الاستراتيجية، خبير في الشؤون الأمنية الأوربية، خبير في مركز الدراسات الجيو-استراتيجية… كم ضحكت في السنوات العشرين الأخيرة وأنا أتابع الصفات المعطاة لنفس الشخص في أربع مناطق نزاع مسلح: خبير في الشؤون الأفغانية، خبير في شؤون العراق والشرق الأوسط، خبير في الملف السوري، خبير في المنظمات الإرهابية وداعش.. نفس الشخص يصبح بقدرة قادر: خبير في الشؤون الأوكرانية … يمكن أن نصدق ذلك ونحن نستمع إلى مخضرم النزاعات المساحة جيرار شاليان، مثلا، أما ونحن نسمع صيصان “الحرب المشهدية”، فإن هذا الأمر يثير الاشمئزاز. مهمة الصحفي، كما ذكرّت في ندوة بالدوحة قبل 15 عاما حول “ميثاق الشرف المهني”: “الصحفي هو مؤرخ اللحظة في السلم والحرب، وصنعته تتلخص بكشف الأكاذيب سواء تعلق الأمر بسفك دماء البشر في الحروب الساخنة، أو امتصاص دماء الناس بالفساد والتعسف في الحروب اليومية الباردة التي يعاني منها أغلبية البشر”… لم أتصور عددا من الأصدقاء الذين حدثوني عن الجرائم الأمريكية في أفغانستان والعراق، يصبحون بليلة وضحاها، مؤيدين بهذا الشكل “لحلف الناتو”؟
هل يكفي تفسير أحد المحللين النفسيين للظاهرة بأنها “حالة استحضار لا واعية لذكرى النازية البغيضة”؟ ومنذ متى تعتمد المقارنات المحفوفة بالمخاطر في بناء استراتيجيات للحاضر والمستقبل؟ أين يقع معسكر الإبادة “أوشفيتس”؟ من الذي اقتاد أجداد زيلينسكي الأبطال للمحرقة؟ لماذا لم تحاسب شركة IBM الأمريكية على خدماتها العلمية لألمانيا الهتلرية في عملية التصنيف العرقي لأشكناز أوربة؟ أين اختفى أهم علماء ألمانيا النازية بعد الحرب العالمية الثانية؟ … هذه تفاصيل صغيرة ليس من المفيد الحديث عنها اليوم في المعركة التاريخية بين “معسكر الخير ومعسكر الشر”؟ تتشارك روسيا وأوكرانيا في كونهما في حالة متقدمة لسرطان الفساد، وفي كل منهما طبقة أوليغارشية أنجبت مصطلحين في كلا البلدين (ما فوق الغنى/ما تحت الفقر)، ومن صدف الأيام، أن كلا من الرئيسين بوتين وزيلينسكي، قد وضع في برنامجه مكافحة الفساد والإثراء السريع في البلدين.
يحاول بوريس جونسون إقناع العالم بأن الأوليغارشية الروسية “سلاح دمار شامل بيد بوتين”… ولكن بالتأكيد، لن يمس الرئيس بايدن، شعرة من رأس الأوليغارشية الأوكرانية، التي وضعت ابنه هانتر في مجلس إدارة إحدى أكثر الشركات فسادا في أوكرانيا.. ومن الصعب على الرئيس الأوكراني، مواجهة الملياردير الإسرائيلي القبرصي الأوكراني إيهور كولومويسكي، الذي كان الممول الأساسي لفيلق آزوف، قبل أن يصبح أحد أهم ممولي حملة زيلينسكي الإنتخابية.. فعن أية نزاهة وشفافية يتحدثون؟؟ ولماذا الاستخفاف بعقولنا إلى هذه الدرجة؟ الحرب قذرة بالتعريف، ولكن من قذاراتها إخراج كل طفيليات المستنقع إلى السطح. يقرر الرئيس الأوكراني، خادم الشعب، حظر 11 حزبا سياسيا أوكرانيا معارضا، فلا نسمع اعتراضا واحدا أو حتى “عتاب خفيف اللهجة” من حماة الديمقراطية الأطلسيين الذين سبقوه بقوائم الحجب الإعلامية والرقابة، وأكثر من ذلك، في حملة شمولية (توتاليتارية) على كل ما هو روسي: الرياضي، النحات، الفنان، حتى تشايكوفسكي في قبره… كان الرئيس جورج دبليو بوش، قد وضع في إنجيل حروبه الخاسرة: “من ليس معنا فهو ضدنا”. لكن للأمانة والتاريخ، لم يوسع تعريفه ليشمل القبور والموتى!حتى تكتمل الصورة، من الضروري الاستنجاد بالسلام وحقوق الإنسان، في حرب العالم الحر من أجل الديمقراطية.. ولم يتأخر، “مدير برنامج بناء السلام وحقوق الإنسان” في جامعة كولومبيا دافيد فيليبس، عن تلبية الطلب، في مقالة في الواشنطن تايمز في 9 آذار/مارس 2022، ناصحا للرئيس الأوكراني، ليس بالبحث عن حل تفاوضي سلمي للوضع في بلاده، وإنما كما يقول حرفيا: “يجب على السيد زيلينسكي الثبات أطول فترة ممكنة، ويجب على الولايات المتحدة دعم المدافعين الأوكرانيين إلى أقصى حد. مع اقتراب القوات الروسية، يجب على السيد زيلينسكي التفكير في الابتعاد عن طريق الأذى. يمكن إنشاء الحكومة في المنفى في بولندا أو رومانيا أو دول البلطيق، حيث ستكون محمية بموجب المادة 5 من ميثاق شمال الأطلسي، التي تنص على: “الهجوم على كيان عضو هو هجوم على الجميع”. ستحتاج الحكومة في المنفى إلى الحماية والتمويل لدبلوماسيتها وعملياتها. سيبقى معظم مواطني أوكرانيا البالغ عددهم 44 مليون نسمة في أوكرانيا وينضمون إلى التمرد. سوف يحتاجون إلى معلومات استخباراتية ومعدات قاتلة لمواجهة الروس. قال وزير الاقتصاد الفرنسي إن الهدف من العقوبات الاقتصادية هو “انهيار الاقتصاد الروسي”. يجب أن يكون قادة الناتو مستعدين بالمثل. يجب إعلان زعزعة استقرار روسيا والتركيز على تغيير النظام كأحد أهداف الناتو.” راجعت المقالة التي أرسلها لي دافيد بالبريد الإلكتروني، أكثر من مرة، للتأكد هل هو السيد فيليبس أم نادي ليندسي غراهام للبروباغندا، للأسف كاتب المقال: دافيد فيليبس…للمدافع “الأمريكي الأطلسي” عن السلام وحقوق الإنسان، نقول بمرارة: تكبير…
باحث وكاتب سوري، رئيس المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان/مؤسسة هيثم مناع
عن صحيفة رأي اليوم .. انقر هنا