جهاز القراءة عند الشناقطة / الشيخ معاذ سيدي عبد الله
جهاز القراءة عند الشناقطة :نعني بجهاز القراءة تلك الخلفيات العلمية والمعرفية المؤسسة لثقافة الشاعر أو الناقد .. ومن المعروف أن المحظرة شكلت المهد الحقيقي لجهاز القراءة عند الشناقطة، لكونها الجامعة الوحيدة التي كانت تصدر لسوق الثقافة والعلم حاجته .ولقد كان الشعراء الشناقطة يذكرون جهازهم المعرفي وخلفياتهم الثقافية في نصوصهم الشعرية، تارة على سبيل الفخر، وتارة على سبيل تذكر الماضي وأيام المحظرة والتحصيل ..
وكانت لهم في ذلك أساليب وطرائق متعددة. فمثلا يكتفي أَبِدَّ الصغير (محمد بن سيد أحمد بن محمود) ، بالتلميح إلى جهازه المعرفي، انطلاقا من ذكر مقدمات القصائد الشعرية، وذلك لأن أغلب الشناقطة لم يكن لهم اهتمام بالعناوين، (الشيخ محمد المامي وسيدي عبدُ الله اهتما بالعنوان ونظَّراًَ له) فكانت النصوص الشعرية و الأقفاف تضبط بكلماتها الأولى ،
يقول أبد :
وَمَوْرِدُ أقلامٍ لِحِبْرٍ دَوَاتُهُ == فَآونةً تُروَى وآونةً تَظْمَا
يُحَلَّى بها بِيضُ الطُّروسِ جواهرًا == فَلاَ مَهْرِقٌ إِلاَّ بها يَشْتهي الرَّقْمَا
فَمَا أَنْكَرَتْ (حَتىَّ) الْمَعانيّ عَنْهُمُ == وَلاَ (أَوْ) وَلاَ (أَمَّا) وَلاَ (أَمْ) وَلاَ (ثَمَّا)
وَلاَ (أَيْ) وَلاَ (لَكِنْ) لاَ أخواتُها == وَلاَ (أَنْ) وَلاَ (كَلاَّ) وَلاَ (لَمْ) وَلاَ (لَمَّا)
يَميلونَ نَحْوَ النَّحْوِ يُفْشُون سرَّهُ == فَلاَ حِفْظَ عَنهم يَطَّبِيكَ وَلاَ فَهْمَا
يَخُوضُونَ فِي (مَهْمَا):أَمَهْمَا بَسيطةٌ؟=يَخُوضُونَ فِي (لَولاَ) وَفِي (أَمْ)وَفِي (أَمَّا)
يَخُوضُونَ في شعرِ الصعاليكِ تارةً == فَذا مُنشدٌ (طَالَ الثَّواءُ) وَذَا (هَلْ مَا)
وَذَا مُنشدٌ (بَانَ الْخليطُ) وَمُنشدٌ ==(أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى)أَوْ(صَحَا القَلْبُ عَنْ سَلمَى)
وَذَاكَ التي منها (يُهَيِّجُنِي) وَذَا==(طَحَا) وَالتي منها (غَدَا طُفْتُ عَ الْمَا)
يَخُوضُونَ في الأعشَى وغيلانِ مَيَّةٍ == يَخُوضُونَ في حسّانَ وابن ابي سُلمَى
وَطوْرًا إلى مَنْ صَاغَ (زَارَتْ عُلَيُّ) أَوْ== لِوَاشِي التي منها (سَرَى يَخْبِط الظَّلْمَا)
وَآونةً في الشيخ سيديَّ وابنِه== وفي سِيدي عبدُ الله طوْرًا وفي (حُرْمَا)
وآونةً في ابنِ الحسينِ وفي أبِي== عَليٍّ وفي الشامِي أو في أبي تَمَّا
و يمدنا هذا النص بمعلومة جديدة، تتمثل في أسماء الشعراء الشناقطة، الذين كانوا ضمن المقرر المحظري، متساوين في ذلك مع كبار الشعراء العرب القدامى .
ولقد ظل هذا الجهاز المعرفي مستعملا إلى اليوم، وذلك بسبب التمدد الطبيعي للمحظرة، فمؤسسو المحاظر اللاحقة كانوا مجرد طلبة سابقين، الأمر الذي يجعل استمرارية المنهاج التربوي المحظري من قبيل الحتميات، يقول سيديا ابن الشيخ أحمدو الديماني (ت 1361هـ -1942م) واصفا فضاء المحظرة الشنقيطية، ومضمنا جهاز القراءة السائد في عصره (بداية ق 20 م):
فَمَن لي بفتيانٍ كرامٍ أعزّةٍ== يَكونون أصحابي و أصحبُهم دهرا
يَخوضون في كل العلومِ بفهمِهم== فَهذا بذا أدرَى وذاك بذا أدرَى؟
فمن كاتبٍ (قِفّاً) طويلاً وكاتبٍ== علومَ أصول الدين يجعلها ذُخرا
ومن كاتبٍ (بانت سعاد) وكاتبٍ==(خليلي مُرَّا) أو (قفا نبك من ذكرى)
ومن كاتبٍ (قِفْ بالديار) وقارئٍ==(أمن أم أوفى) أو (سما لك) إذ يَقْرَا
وَمِن منشدٍ (بان الخليط) ومنشدٍ==(دعا باسم ليلى) أو (تذكرتُ والذكرى)
ومن منشدٍ يشدو بأحسنِ صوتِه==(خليلي غُضا) أو (إذا مُضرُ الحمرا)
ومن مُعربٍ يَرمي فيُعربِ كلْمةً== من البيتِ إذ يُرمَى ويسقط في الأخرَى
فَمن قائلٍ هي اسمُ كان أو اسمُ لا== وَمن قائلٍ تلك اختصاصٌ وذا إغرَا
ومن قائلٍ هي اسمُ فعلٍ وقائلٍ== لقد حَازَ هذا بِالمُجَاورةِ الجَرَّا
ومن كاتبٍ علمَ البيانِ وشارحٍ== لكاتبه الإنشاءَ والحدّ والقصرَا
ومن قارئٍ علمَ البديعِ ومُظهرٍ== لكاتبِه التدبيجَ واللفَّ والنَّشْرَا
ومن كاتبٍ عكْسَ النقيضِ مكرّر == لكيفيَّة الصغرى وكمّيَّة الكبرَى
ومن كاتبٍ علمَ الحساب بخطّه== إذا خطّه قالوا له : زِدْ هنا صِفرَا
ومن حاملٍ (عَيْشاً) كثيراً لقومِه== ومن حاملٍ لحماً ومن حاملٍ تمرا
من كتابنا (نقد الشعر الفصيح عند الشناقطة) – ص 39