الموقف “الشنقيطي” من الشعر الحر / الشيخ معاذ سيدي عبد الله
وقد شكلت هزيمة الخامس من حزيران 1967 م الشرارة الأولى، لميلاد أول نص من الشعر الحر في موريتانيا.يقول الأستاذ محمدن بن الشدو، خلال مشاركته ببيروت في مؤتمر ثقافي، شهر نوفمبر 2010 م وضمن حديثه عن الشعر الحر في موريتانيا :”.. أنا أول من أدخل الشعر الحر إلى موريتانيا، وقصيدتي (طابور) هي أول قصيدة في الشعر الحر الموريتاني، وعندما قيلت عام 1967م يومها لم يكن الشعر الحر، قد بدأ بالانتشار في الساحة الموريتانية”.
ونحن نعتبر أن المدرسة (الشنقيطية) في الشعر، هي المرجع الأول للمدرسة (الموريتانية)، بحيث ظلت مسيطرة على القول والتلقي، حتى منتصف الثمانيات من القرن المنصرم، ذلك أن من الشعراء من عاش في المرحلتين، ومنهم من عاش قرنا كاملا.ومن الطبيعي أن يدافع هؤلاء عن قصيدتهم وحِماهم، الذي بدأ ينحسر أمام حركات التجديد الشعرية، والتي ساهمت الجامعات والمدارس الحديثة في تجذيرها، والترويج لها .فهذا الشاعر محمد الحسن بن بيدر بن الإمام (ت 1292 هـ – 1954 م) يعلن تمسكه بالتقليد، وبالسنن التراثي في الشعر، معتبرا أن مصطلح (الشعر الحر) لم يرد على لسان النقاد العرب القدامى، ولم يؤْثَر عن الشعراء العرب غرض شعري، يحمل تلك التسمية:
تهاجت بقول الشعر واشتاقت العربْ == و أكثرت الأشعار في الخمر والطربْ
فما ذكروا حُرًّا من الشعر بينهم == و ليس لنا في غير ما ذكروا أربْ
ونجده في موضع آخر، يفرق بين القصيدة التقليدية وقصيدة الشعر الحر، انطلاقا من المقاييس النقدية التراثية، حيث (قرب اللفظ) و (تطلب المعنى)، وهي المعايير، التي لا يراها متوفرة في هذا الوافد الجديد، يقول :
إذا ما الشعر مر عليك سهلا == قريب اللفظ والمعنى تناءَ
فَخَلِّ الأذن تسمعه وقله == ووسع من قريحتك الوعاء
و إما قيل هذا الشعر حر == فدعه، الحر يذهب حيث شاء
ويسايره تلميذه أحمد بن بتار (1924 م – 1991 م) في الرؤية نفسها، وإن كان نظر إلى الظاهرة، من زاوية خروجها على المألوف العروضي، فهو يعتقد – مثل الكثيرين اليوم – أن الشعر الحر لا يخضع لأي وزن أو عروض، كما يعتبره أحد مواطن التكسير اللغوي، ذلك أنه غير معترف بتقنيات التركيب الجديدة، ولا بالصور البلاغية المستحدثة، التي تقول – مثلا – (إن الأرض برتقالة زرقاء) .بالإضافة إلى كونه نمطا شعريا، وافدا من خارج الحظيرة الشنقيطية، مما يعني أنه مشوب، بتهمة التآمر على شعر البلاد وتراثها، يقول :
أتتنا بنو الأوطان من بعضنا بشرى == بأن مكان النظم صار لنا نثرا
وليس إلى الميزان يحتاج نسجه == ولم يرعَ في الألفاظ فتحا و لا كسرا
لقد كان هذا الشعر من قبل درة == نغوص له بحرا ونسبحه عبرا
فيخرجه من درة البحر كيِّسٌ == فدونكمَ نظما تناثر في الصحرا
فإن لنا الإجمال في كل مطلب == وليس من الإجمال أن نركب البحرا
ومن شعراء التقليد، من وقف بحزم أمام أطروحات دعاة التجديد، بحيث جاءت الآراء النقدية لهذه الفئة، مدافعة عن تهمة التراثية و القدامة، التي كان المعاصرون يلصقونها بالشعر التقليدي في مقالاتهم النقدية، ومحاضراتهم الأكاديمية.وهكذا كان لزاما على شعراء التقليد، أن يردوا على تلك التهم، وأن يبحثوا عن نقاط ضعف الشعر الجديد، والتي وجدوها في نمط العلاقة بينه وبين المتلقي، يقول المختار بن حامدن من قصيدة طويلة، ساخرة، بسط فيها وجهة نظره، وأعلن عن اطلاعه على هذا اللون الشعري من خلال المجلات، وأنه لم يجد من يحفظه ويرويه، على العكس من اللون التقليدي السائر على ألسنة الرواة :
بدا الشعر يغلو مثلما قد غلا السعر == (كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر)
قد استعمر (الحر) الجديد رجاله == فما قائم زيد إليه ولا عمرو
إلى آن يقول :
وحاولت نظم عقد منه ولم يكد == فلم ينتظم لي منه بيت ولا شطر
فأحجمت عنه بعد جهد بذلته == ومن رام قهر (الحر) جابهه عسر
ومما عليه قد ألاحظ أنني == متى يُرْوَ يوما في مجالسنا الشعر
أطالع منه في المجلات نشرة == وفي ألسن الراوين ليس له نشر
وبعدُ، فهذا (الحر) فن بمعزل == عن الشعر حر في تعاطيهما الفكر
وكلٌّ له شعبية ومكانة == وكلٌّ له سحر وكلٌّ له سعر
وكلٌّ له ضيعاته يستدرُّها == وكلٌّ وليلاه يكللها البدر
على أن ليلى الشعر شمطاء فارض == عجوز وليلى (الحر)
جارية بكرحديثة عهد بالولادة بينما == على عهد ذات الشعر قد أكل الدهر
فما واحد ما عمره الدهر كله == وما عمره عشرون من بعدها عشر
ويحتج بالتخييل (للحر) معشر == فعدوه بالتخييل للشعر ينجر
وجامعهم فيه الخيالي ظاهر == وكل امرئ في قول حجته حر
ونحن بحد الشعر ندلي فإنه == كلام مقفى ظرفه البحر
لا البرفإن كان هذا الحد (للحر) جامعا == عذرناهم، أو مانعا فلنا العذر
باختصار من كتابنا (نقد الشعر الفصيح عند الشناقطة) – ص 248