شعر الحرابة / لشيخ معاذ سيدي عبد الله
تحبل المدونة الشعرية الموريتانية بقصائد تصويرية تمكن أصحابها من تصوير لحظات الهجوم التي يقوم بها اللصوص وقطاع الطرق على الأحياء المسالمة والقوافل التجارية والتموينية بأسلوب غاية في الدقة والقوة.هذه النصوص كانت سباقة لتقنية الصورة/اللقطة وهي تقنية استعارها الشعر حديثا من السينما .إن ما نطلق عليه شعر الحرابة هو مدونة شعرية وثقت كيف كان اللصوص وقطاع الطرق يتعاملون مع الأبرياء والمستأمنين في عهد السيبة وانعدام سلطة الدولة .
والمعروف أن شعر الحرابة ليس خاصية موريتانية فقد عرفه الأدب العربي قديما، ويدخل في تصنيفه (شعر الصعاليك) و(شعر اللصوص) و ( وشعر الشذاذ) ..
كما عرف حديثا قبيل عصر النهضة بقليل.ومن أمثلته في الشعر الشنقيطي قول سيدن ولد الشيخ سيديا في رائيته المشهورة :
فَبَيْنَا الْحَيُّ خَيَّمَ ذَا طِلَالٍ …تَبَوَّأَ مِن فَسِيحِ الْأَرْضِ دَارَا
بِسَاحَتِهِ مَحَافِلُ حَافِلَاتٌ…بِأَشْيَاخٍ مُهَذَّبَةٍ طَهَارَى
ىوَكُلِّ فَتًى يَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهًا …
وَتَفْتَرُّ الْمِلَاحُ لَهُ افْتِرَارَا
إلَى أَنْ يُبْصِرُوا شُعْثًا كَسَاهُمْ…لِبَاسُ الْجُوعِ والْخَوْفِ اغْبِرَارَا
رِعَاءُ الشَّاءِ حَقَّا مَن رَّآهُمْ …
يَقُولُ هُمُ الرِّعَاءُ وَمَا تَمَارَ
ىهُنَالِكَ لَا تَرَى شَيْئًا نَفِيسًا …
وَلَا مُسْتَحْسَنًا إِلَّا مُوَارَى
وَلَمْ يَكُ قَدْرُ لَمْحِ الطَّرْفِ إلَّا…
وَقَدْ سَلَبُوا الْعِمَامَةَ وَالْخِمَارَا
أجِدَّكُمُ بِذَا يَرْضَى كَرِيمٌ…
وَهَلْ حُرٌّ يُطِيقُ لَهُ اصْطِبَارَا
ومنه ما ورد في نونية المختار ولد بونه المعروفة (ونحن ركب من الأشراف) والتي تحكي قصة من قصص الحرابة .
ومنه همزية أحمد محمود بن فتى الشقروي ( منشورة في كتاب الشقرويات).لكن القصيدة الأكثر دقة في تصوير هجوم قطاع الطرق على القوافل هي نونية ولد امبوجةالتيشيتي ( ق 13 هـ) التي مطلعها :
سبحان ربك رزاق المساكين == من أهل تيشيت في أرض السوادين
حيث تصف باحتراف كيف استولى قطاع الطرق على قافلة تيشيتية، وكيف تعاملوا مع أصحاب القافلة وما تحويه من بضائع .يصف ولد امبوجة – بداية – كيف يخبر دليل الصوص جماعته بوجود قافلة تيشيتية :
يقول واردهم بشراكمُ وردت ==
بعض الرفائق من أقصى الأراضين
بشراكمُ رفقة بشراكمُ وردت == بالملح قاصدة أرض السوادين
بشراكمُ رفقة يا قومنا وردت ==
بحاجة البحر من گَرْتٍ وصابون
هناك يأتون أفواجا على عجل == من كل فج على دهم البراذين
ويحدقون بِنَا مثل الجعارين إذ == تطوف بالمختلي حول الدكاكين
فحسبهم ما أرادوا من حرامهم == وخارجُ المختلي حسب الجعارين
وحسبنا الله من قوم لنا جمعوا == وهو الوكيل على كل الفراعين
تظل فرسانهم تثني أوائلنا == على أواخرنا فعل المجانين
حتى إذا أنزلونا قال زامرهم : == يا رفقة الخير من سَنْگَتِّ فاسقوني
وخثّروهُ وبالعيش الإِماءَ مُرُوا == يصلحنه وبه والگَرْتَ عشوني
أين الفراش؟ وأين الدفئ؟ مالكمُ== لا تسمعون؟ وهذا ليس يكفي
نيأين الطعام؟ وهذا غير مؤتدم== وبعدما غضبوا يرضون بالدون
هذا مغيظ وهذا آخر انتفخت == أوداجه حنقا في وصف مجنون
كأن زوغاتنا جنات عدنهمُ== إذ ينظرون إلى دَلْكِ المراجين
وليس من جاءه عيش فقام له == كمن يرى العيش في كل الأحايين
حتى إذا شبعوا واستدفؤوا رقدوا== كأنهم في فراديس الرياحين
وسيد القوم طول الليل منتبه == يقلّب الرأي في كل الموازين
ونفسه لأمانيها مقدرة == تريه قبل الكرى أحلام گابون
والله يكتب حقا ما يبيّته == وسوف يلقاه في نشر الدواوين
ويصبحون على ظلم وقائلهم == يقول : لا ترحلوا حتى تمشون
يأريد ملحاً ومِرسالا على عدد == من الشنان وأعشار القطارين
أو شَمًّا أو ذُرةً أو زرعا أو أرزا == إلى فَنَيّ وأنواع الأداهين
أو تيكَ أو گَرْتَ أو سَنْگَتِّ أو عسلا == هناك تذهب أحلام المساكين
يرشى الوزير ويُرشى الزامرون وما ==تجدي الرشى في عفاريت الشياطين
وإن تناقشه دون الغفر أوشك أن == تأتيك ريّته قبل المصارين
يقول : هذا لعمر الله غفر أبي == ورثته عنه في مالي وفِي ديني
والقصيدة طويلة، في 120 بيتا.وهي من أكثر نصوص الحرابة جودة ودقة في التصوير.