احذر من يقول لك إن لديك مهارة التسديد عن بعد / الصديق أبو الحسن
احذر ممّن يقولون لك “عندك التير” (أي لديك مهارة التسديد عن بعد). لا تبرح ذهني هذه الحكمة التي التقطها من أفواه مجانين، في أعوام الجنون والمجون.
كان صديقنا، وأصغرنا سنّا وأصدقنا سجيّة وأطرانا عودًا لأنه نشأ في مورد خصب ووفرةكان ينتبذ مكانًا قصيّا من الفصل يخضب الحياء وجهه كلمّا اضطرّ للحديث في مدرسة مادّتها علوم التواصل والحديث، لكن قوامه الفارع وشعره الأشقر لا يسعفانه، إذ كان قبلة الأنظار أينما حلّ لاعتدال قامته وحسنه ورونقه.
وهو إلى ذلك كان رياضيًا مواظبًا، وما أن حللنا بالمدينة طلابًا حتى بحث عن نادٍ محلي للانخراط فيه، فلا ينقطع عن التداريب ولا يخطئ مباراة مهما قل شأنها وفاء بالتزامه مع أنه جاء من فريق شباب نادٍ عريق ذائع الصيت.استقبلناه يومًا عائدًا من مباراة مع ناد محلي في قرى المنطقة على متن حافلة متهالكة بمقاعد ضيقة استأجرها فريقه للرّحلة ومنظره كمارد ألماني وسط صف تلاميذ، فسأله أحدنا ما هو المقابل الذي كان يتلقّاه مقابل تلك البهدلة، فأجاب بهدوء: سندويتش كفتة !! طبعًا قالها من باب الاحترام والعرفان مع أن خزانة صديقنا لم تكن تخلو من ما لذ وطاب من الحلويات والمخللات والمصبّرات التي تعدّها والدته – أطال الله عمرها – وتوصيه أن يشرك أصدقاءه وهي لا تدري أن أصدقاءه يلتهمونها ما أن يصل إلى سكن الطّلاب ويتركون السطول والحاويات قيعانًا صفصفًا.صديقنا هذا كان يسحب خلفه حدائق الخير وتورق الكروم أينما مرّ ولم تكن الفتيات تقاومن عيونه الخضر وبنيانه المحترم فكن تتحلّقن حوله أينما حلّ ونحن نتلقّط فرصنا حوله كما نزدرد مؤونته الشهرية دون خجل، لأنه إلى ذلك كان متديّنًا كثير الصّلاة والصيّام، لا يدخن ولا يشرب، فما بالك بقصص الحبّ والهيام قبل الزواج.هذا الشخص ليس خرافيًا ولا من بنات خيالي، بل يمشي في الأسواق وأتمنى ألا يقرأ هذا الكلام، ومثله كثر. إنّما انبثق في ذاكرتي حين ذكرت حكمته الوحيدة: إياك ومن يقول لك “عندك التير” (ما أقدرك على الرماية والإصابة من بعيد).
وسبب تنزيلها – كما يقول – أنه حين كان يتدرب كحارس في فريق الشباب بالعاصمة كان المرشحون كثر، وكلهم ذوو مواهب وقدرات عالية يناطحون أقرانهم للفوز بفرصة تنقذهم من الفقر، فكانوا كلّما حلّ شابٌ غرّ فريد الموهبة أوعزوا إليه أنه فريد عصره وأن المدرّب يبحث عن أمثاله، فما عليه إلا أن يستحوذ على الكرة كلما سنحت له الفرصة ويقذفها عن بعد ليثبت له قدرته على التسديد لأن “عنده التير” دون غيره فيختاره للفريق المنتخب. فلا يلبث المسكين أن يلتزم بالنصيحة العامّة، كيف لا وهي صادرة عن جميع أقرانه الذين لاحظوا أن “عنده التير”، فلا يكاد يكمل بضع دقائق من أولى التجارب حتى يطرده المدرب، فترتاح الأمة والحومة من مواهبه لأن “عنده التير”.