قراءة لقصة الشيخ بكاي القصيرة جدا “اسم وحرف نداء”/ النجاح بنت محمذن فال
القصة:
سرى الاسم في ثنايا القلب والجسد عطرا قديما أصيلا محتشما لكن نَفَّاذا..
تردد صدى الاسم رنيما مسافرا عبر السنين، واجتاح ذاكرة مثقلة بأسفار الرحيل، و الوداع والفراق، والوجع.. وبجروح الراحلين الذين لم يرحلوا من القلب…
– “لايهم….” قال لنفسه ، إنها حال مثل عشرات دفنت في رمل النسيان، وواصل الحديث غير مكترث مع الشخص الذي يكلمه عبر الهاتف…
أطل خيال شخصين… وعينان…
ألقى إلى الليل حرف نداء…
ردد الليل يااااااا (…)
ذاكرة مثقلة تصارع رنيما !!
مشهد يعكس حلبة أبطالها ليسوا شخوصا عاديين
إنهم شخوص تطبع علاقتهم ثنائية منسجمة مع الادوار التي يؤدونها
الثنائي الأول : هو الاسم وحرف النداء الذي سرى في علاقة اتحاد مع القلب .. ما يلبث هذا الثنائي أن يصيبه الصدام فينزلق الإسم متجاوزا ذلك السريان في القلب إلي الذاكرة التي اجتاحها ليبدأ الصراع بين :
- الإسم المتمثل في حلم ضائع مع شخوص يكتنفهم حصن واحد هو منطقة الذاكرة ..
هذه المنطقة اكتظت بمنظومة من الشخوص الذين يعيشون في ذلك الحصن ( الذاكرة) تحت حد سكين ذلك الحلم (الإسم )
- شخوص هم :
الرحيل ،
الفراق
الوداع
الوجع
يتعايش هذا الرباعي في هذه المنطقة ؛ لا لتقاسم الحلوى والشوكلاته ! وإنما ليجعل من هذه المنطقة (الذاكرة ) حصنا في مواجهة هذا الغازي (الإسم )
ورغم الجراح فإن هذا الرباعي استطاع أن يعيش بصمته المهيب ، في هذا الحصن الذي يرمز إلى كتمان الالم الناتج عن جراح ضياع حلم سافر عبر السنين
( تردد صدى الاسم رنيما مسافرا عبر السنين،)
وعند ئذ يحضر البطل المتمثل في الضمير الغائب (ه ) في الجملة ” قال لنفسه ” مع أنه هنا دال علي البطل الراوي لكن التغيير في العلاقة الإسنادية هو في صالح الإبهام الذي تتطلبه فنيات القصة القصيرة جدا ، لذلك تم التعبير عن البطل بصيغة الغائب (قال لنفسه ) وتبلغ القصة الذروة عند ظهور البطل الرئيس متجاوزا منطقة الحصن المنيع (الذاكرة ) ليطل علي الجمهور مصارعا بطلين جديدين تم فيهما اختزال مآسي المنطقة برمتها إنهما (خيال شخصين وعينان )
لتبلغ فنيات القصة القصيرة مداها فالشخصان لايمكن ان يريا بعينين لان لكل شخص عينان ..
قد يعني هذا ان من اطلت هي انثي لان لغة العيون عادة تعبير عن الانثى ..
كما أنه قد يعني باعتبار التراكم الحاصل في هذه القصة كثافة ذلك الخيال ضمن منطقة الحصن حتى أصبحت المرأة الواحدة بمثابة شخصين وعلى اعتبار آلام السنين فإنها تشكلت في الذاكرة بشكل متعدد تراكميا ؛ مما يعزز قدرتها الهجومية علي منطقة الحصن ويكرس اجتياحها لها .
اجتياح يعززه واقع صادم بإطلالة هي في ثنائيتها تراكمية لكنها في بعدها الزمني أحادية ..
أي أنها تعبر عن لحظة معينة اطل فيها شخص الحبيبة في لحظة تختزل آلام الماضي في تغذيتها للحاضر .. ولكن في مراحل مختلفة لان وجود شخصين لاتعبر عنه العينان “أطل خيال شخصين… وعينان…” لكن مطلب الكثافة والنهاية الصادمة للقصة القصيرة جدا انسجم هنا مع معاناة البطل ..
وهذا ما جعله يستسلم إزاء كل هذه الكثافة ويلقي بالامر إلى الليل والليل رفيق المحبين فلا يبقي للبطل إلا إطلاق النداء …
نداء عبرت عنه بداية القصة وختمت به .. كنوع من إحضار المشهد السيزيفي من جهة
ومن جهة أخرى هو نداء سريالي جاء دونما تدخل من بقية شخوص القصة ، مما يجعل الخاتمة ذات منحى سريالي ! عجز فيها البطل عن الفعل أمام تنائي الاحلام وضياعها وهو المنحى الذي رافق القصة منذ البداية من خلال استخدام الألفاظ الدالة علي علي المعاودة مثل (تردد و رنيم ) خاصة أن الرنيم هو رجع صوت الغناء الذي يستلذ به السامع دون ملل ولذلك عاد البطل ايضا يردد صدى حبه الضائع مع أشباح الليل !! إذ ما من مغيث سوى ترديد النداء :
(ردد الليل يااااااا (…)