(نواكشوط ـ “مورينيوز”):
القبيلة الضرورة:
_ يصر كثير من كبار المدونين على مهاجمة القبيلة وتسفيه التمسك بها وتفنيد ما يتأسس على أساسها من تحالف وتنسيق… ويذهب آخرون إلى أنها العائق الأساس أمام تطور الدولة المدنية والمشوش الأكبر على نمو الديمقراطية الوليدة في البلد… وهنالك من الكتاب من يدعو علنا للكفر بها، ويحث على سن القوانين المجرمة لأنشطتها بعد شطبها من المعادلة السياسية في البلد وتحويلها لقائمة التراث غير المادي… كلها آراء يتعين احترامها، إذ هي أفكار معّمرة، وإثارات كثيرا ما نوقشت ضمن مختلف المناسبات في العالميْن العربي والإفريقي…. معلوم أن بعض الدول أسست نظامها اعتمادا على الأبعاد القبلية، فتوفرت لها وسائل البقاء والنمو، ومن الدول ما استفاد من فوائد الالتحام القبلي وتجنب مضارّه…. في الحالة الموريتانية ظهرت الدعوة الرسمية للتخلي عن النظام القبلي قبل أربعين عاما، ولا أعتقد أن رواج القبيلة تراجع يوما، ومن شبه المؤكد أنه سيكون كذلك بعد اربعة عقود من الآن لاعتبارات كثيرة ومسوغات متعددة منها: ١/ كون القبيلة حاضنَ الأخلاق الفاضلة ومرجع العلاقات وبوصلة التواصل والتراحم، بها يتكافل الأفراد وفيها يتناصرون ولحماية تاريخها وأمجادها يضحون، ولصيانة أعراضها يتجنبون ما لا يليق، ويبذلون الغالي والنفيس ٢/ ما لم يوجد تحملٌ من بيت المال لأعباء من تنزل بهم الكوارث وتدور عليهم الدوائر فلا بديل عن القبيلة. ٣/ ما لم يوجد بالدولة تأمين صحي لجميع المواطنين استشارة وتشخيصا وعلاجا وصرفا للأدوية فسيظل التمسك بالقبيلة موضوعيا. ٤/ أي بلد لا يوجد فيه جهاز رسمي معنيٌ بشأن القصر والقاصرات والمسنين والمسنات ولا تتوفر فيه هيئات مليةٌ للتكفل برعاية اليتيم وعون الأرملة لا بديل عن العشيرة. ٥/ ما لم تُحدث روابط مهْنية قوية قابلة للاستمرار تساعد الغسال في مغسلته إذا سرق ما بها من ملابس الناس، وتفك سراح السائق الجاني خطأ بسيارته وتسدد عنه الكفالات وتدفع الغرامات يبقى النظام القبلي البديل الأنجع. ٦/ ما لم تتخلق ثقافة مدرسية مسجدية أسرية تمتص مضض الانتقام وتطفئ النار المتأججة لردات الفعل الطائشة عند ابسط حدث ذي طابع عرقي أو عائلي فلا ملاذ لاستعادة السكون والهدوء النفسي إلا المظلة المجتمعية عبر التدخل القبلي الذي أثبت ويثبت دوما حل عصيات قضايا المحاكم. ٧/ لن يخف داعي القبيلة ما لم تنضج مؤسسات المجتمع المدني وتتحول إلى عناصر ضبط وتوازن إكمالا للعمل الرسمي وعونا للجهاز التنفيذي في كثير من الأحيان. ٨/ ما لم يكن الانتماء الحزبي أمرا ضروريا والانفصال عنه أمرا عسيرا بما يوفر للمنتسب من دعم واحتضان فلن يتراجع الاحتياج للمحاضن القبلية مطلقا. ٩/ شرعيا هنالك تأصيل رباني لمؤسسة القبيلة ولها مجد اثيل وتاريخ مجيد، ومن يرى التخليَ عن القبيلة سياسةً إسلاميةً حقيقٌ أن يقصر قناعته على ذاته ولا ينشرها بين الناس ﻷنها دعوة لا يدعمها الدليل ولا تعززها المصلحة. ١٠/ من يرى في الأحزاب بديلا عن القبائل؛ إما أنه عاجز عن تبعات الثقافة القبلية، وإما أن القببلة لم تحقق له ما يوده من تسلق إذ من السهل أن تتسلق في الأحزاب، وهينٌ أن تضحك على الذين يجهلون طفولتك وشبابك وظهيرك المجتمعي وحجمك المادي ووزنك المعنوي في ذويك وجهتك، ولكنها في القبائل من المستحيلات. ____ خلاصة القول: إنه لا تعارض بين القبيلة والحزب السياسي، ولا بينها والدولة، ولا بينها وبين الديمقراطية، وفوق ذلك الانتماء لها أبدي؛ على خلاف أتباع الأحزاب السياسية ومنتسبيها فهم “بطوطيون” ما من حزب إلا وسجلوا أسماءهم بسجلاته ، وعلقوا بطاقاته، وحضروا مهرجانته.