ثقافة وفنموضوعات رئيسية
موستار للكاتب جمال عبد الرحيم/ سعاد خليل
موستار هو اسم مدينة بجنوب البوسنة والذي اختار الكاتب اسمها ليكون عنوانا لروايته، التي تجمع بين الحرب التي دارت في هذه المدينة وبين العاطفة التي ربطت بين القلوب
رغم اني لا تستهويني الروايات او الكتب التي تتحدث وتروي الحروب وما يحدث فيها ،ولكن هذه الرواية استفزني عنوانها واحداثها التي جمعت بين أمور تاريخية ربما لست بدراية بها وأيضا بينت مواقف بعض العرب الذين ضحوا بأرواحهم من اجل الحق والتحقوا ليساندوا المسلمين في حربهم التي استمرت عشر سنوات منذ بداية انهيار يوغوسلافيا .
كما نعلم ان الرواية نوعا ادبيا فنيا له قواعده البنائية، التي لم يهملها الكاتب باعتبار هذه الرواية تجمع بين الواقعية والتاريخية والتي سعي من خلالها كسر السرد النمطي .
فهذه الرواية تهيء القاري لسماع ومعايشة هذه الاجداث التي مرت علي الشعب المسلم في البوسنة فسلاسة الاحداث والمعلومات الدقيقة والاسماء التي استدل بها الكاتب في فترة الحرب كانت كلها حقيقية وكأن القاري يشاهد فيلما تدور احداثه في اكثر من موقع فهي تمتعنا وتعرفنا بدواخل شخصيات هؤلاء الذين عاشوا تلك الفترة ، مع ربط احداث اخري ،حاول الكاتب ان يضيفها لحبكة الرواية ، ونجح في توظيفها لتكون متوازنة ومدموجة ومترابطة بكل انسيابية .
ad
” اهدي الرواية الي الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش (رحمه الله ) والي الذين قتلوا واصيبوا في اقسي حروب العصر الحديث وحشية وبربرية والي العرب الذين ضحوا بأرواحهم من اجل الحق والي شعب البوسنة العظيم الذي علم العالم معني الكرامة “
هذا الاهداء الذي قدم به الكاتب روايته التي نكتب عنها هذه القراءة المتواضعة.
ففي هذه الرواية التي تحمل عنوان موستار نسبة الي هذه المدينة التي عانت الكثير من الصراعات والهجمات والقتل والتهجير، اثناء الحرب ضد المسلمين ، تمثل الكاتب مجموعة من الشخوص هم أسماء حقيقية مستندا علي مراجع مكتوبة وكذلك علي أفلام وثائقية تثبت حقيقة الأحداث الي جانب الشخوص الذي طعم بها الرواية وكسر بها حدة الاحداث مضيفا لها الجانب الإنساني الاخر وهو النقلة السريعة لشخصية اخري مهمة وهي الشاب المصري خالد الذي فقد امه في حادث زلزال حدث في مدينته و كان من المفترض ان يكون قبل الموعد ليصطحب امه الي احد الأطباء لأجراء عملية جراحية .حيث كان يبحث عن احد يقرضه مبلغا ليدفع قيمة العملية . ولكنه تأخر وها هو يواري امه بالتراب ويشعر بشعور قاتل شعور الفراغ الذي سيطر علي حواسه انه يحس بالذنب .
ولكن الشيخ سعيد امام المسجد وقف ورائه ليصبره علي محنته هذا الشيخ الذي علمه وتلقي منه دروس العلم وحفظ القران الكريم علي يده منذ كان صغيرا .
من هنا تبدا احداث الرواية ربما القاري يستغرب ما علاقة حرب البوسنة والهرسك في ما يحدث مع خالد بمصر، هذا هو المهم كيف يربط الكاتب معاناة هذا الشاب في حياته البائسة بجوانبها المختلفة وكيف وقع في ايادي السلطات بعد ان اقام مع الشاب ناصر الذي عرفه عليه الشيخ وسكن معه .
وينتقل بنا الكاتب الي احياء سرييفو عاصمة البوسنة وما يتم من توزيع الخطط والاوامر بشأن انتشار القناصة وكيف يتشكون من مقاومة المسلمين الشرسة في مدينة ترافنيك حسب الرواية حيث مقر العرب الذين يساندون المسلمين في القتال. رغم القصف الشرس علي بيهامش في الغرب وموستار في الجنوب ويشتكي الجندي من تقهقر القوات من موستار حيث المقاومة عنيفة من المسلمين .
رؤية الكاتب الذي استخدم أساليب السرد والنقلات السريعة لتبين لنا حال ابطال الرواية .
وتدور الاحداث ليهرب خالد مع مجموعة من الشباب الذين وهبوا حياتهم لله دفاعا عن دينه والمؤمنين به فتدبر سفرهم الي كرواتيا وبعدها التحق بمعسكر تدريبي ومنها الي الأراضي البوسنية. حتي تشاء الصدف ليتعرف علي سابينا .
وهنا تنتقل كل احداث الرواية في موستار وسراييفو والحرب التي دارت هناك .
لقد مس الكاتب مسا ثاقبا مواصفات الرجل العربي عندما انقذ الفتاة من الجنود الصربية، مما لا شك فيه ان الكاتب كان له بعد متميز في رؤيته للأحداث التاريخية التي دارت هناك خلال الحرب فهو يوثق بالأسماء وبالمواقف والاجتماعات التي كانت تقام علي المستوي الدولي خلال تلك الفترة من الحرب فهو يجعلنا نواجه شخوص تلك الدولة مثل رانكو ميلادتش ، ووبيجوفيتش وهم حقيقيون علي الواقع .
ما اعجبني هو درايته الكاملة بتفاصيل هذه الحرب وكيف استطاع توظيفها في رواية تشد القاريء حتي يتم قراءتها ويستفيد من المعلومات الدقيقة التي استند عليها من خلال مراجعه عن تلك الحرب وما كان يدور فيها ضد المسلمين هناك
وانا اري ان موضوع هذه الرواية مهم خصوصا لمن ليس لديهم المام كامل او ميول لقرأه هذا النوع الذي يتخذ من الحروب وما يدور فيها من احداث موضوع، لكن الكاتب هنا اخذنا في سلسلة موازنة لأحداث الحرب وهي قصة عاطفة تنشا بين خالد و سابينا بعد ان انقذها من ايادي الجنود ، وتدعوه أمها الي الدخول للبيت ليشرب القهوة . هذه السطور من مشهد في الرواية :
رفعت راسها وهي تتطلع الي خالد مشيرة الي المقعد وما ان سقطت عيناه علي وجهها حت تجمد مكانه، وهو يتطلع الي ذلك الوجه الملائكي بكل ما تحمله الكلمة من معني .
عيناها الزرقاوين كسماء صافية كجزيرة سحرية وسط موج متلاطم من النور الأبيض، وتلك الاهداب السوداء التي تقف كصفين من الحراس لإخفاء جمال العينين بالداخل، تعزف لحنا اسطوريا مع شعرها الحريري الأسود الذي يتمايل كقطع من الليل المظلم، وذلك الجسد المتناسق. لينتبه الي الام وهي تحمل القهوة، واخذ يرتشها ببطء دونان ينتبه الي سخونتها ، وقلبه ينبض في عنف لم يعتده من قبل، وعقله لم يكف عن البحث لإجابة هذا السؤال الذي في عقله :
هل ذلك ملاك حقيقة ام خيال ؟
يكتب الكاتب وحين يعود الي الابطال الذي كتب عنهم يفاجئنا ببعض الحوارات والتي اعتقد انها حقيقية عن الاحداث والمواقف اثناء تلك الحرب والاجتياح الذي تعرضت له موستار وغيرها أثناء تلك الحرب .
ومن الصفحة 161 اعجبتني هذه السطور :
امتدت يد الرئيس البوسني لمصافحة نظيره الكرواي ، في حضور وزيري خارجية البلدين بذلك المكتب الذي يجمعهما في ” جنيف ” دون حضور الرئيس الصربي ” سلوبودان ميلوسيفتش ” وابتدأ الكرواتي فرانيو توجمان ” الحديث وهو يقول بلهجة حاول ان يجعلها حقيقية الي ابعد الحدود :
صديقي
بيجوفيتش ” جميعنا ارتكبنا الأخطاء في الماضي، ولكن تلك الأيام بالتحديد قد تكشفت لنا الحقائق واضحة جليلة، لابد من اتحادنا معا لمجابهة الصرب، لن نستطيع الوصول للنصر منفردين، لابد من الاتحاد.