النائب الحر.. عماد العدوان.. ومعاهدة وادي عربة/ فؤاد البطاينة
7 مايو 2023، 12:15 مساءً
كتبت هذا المقال قبيل صفقة الافراج عن النائب الأردني عماد العدوان لتوضيح التداعيات، حيث ان المواطن الأردني أصبح تواقاً لرؤية نظامه يقف لجانبه في أية مظلمة داخلية أو خارجية مهما كبرت وتعددت. حتى أصبح الأردنيون على أبواب الإحباط والإنتفاض وهم يشهدون عجز نظامهم يمتد ويرتد عن نصرتهم حين تتعرض كرامتهم الوطنية وحقوقهم الشخصية والقانونية للسطو في العلن من قبل الكيان الصهيوني المحتل، عدوهم الوجودي. فلا يمكن الفصل بين كرامة الدولة والوطن وكرامة المواطن. فامتهان أين منهما مؤشر على امتهان الأخر والتخلي عن أحدهما تخلي عن الأخر.
الأردنيون اليوم باتوا في حيرة شديدة يُنجمون لمعرفة السر في ما آلت إليه طبيعة العلاقة بين نظامهم وهذا الكيان، وماذا يحكمها. وأين معاهدة وادي عربة.
وبهذا.. فكما شكلت هذه المعاهدة نقطة انطلاقة قطار الردة والكفر السياسي، كان تخلي الكيان الصهيوني عنها هو البداية لتفكك الدولة وسوس نظامها. ورغم أن نصوصها تجاوزت مفهوم التطبيع إلى مفهوم الصداقة والتعاون مع الكيان، إلّا أنها كانت قائمة على هدف تحالف استراتيجي معه مقابل أن يبقى الأردن دولة ذات سيادة بقيادته الهاشمية. بمعنى بقاء الأردن على حساب التخلي عن فلسطين. وقد عايشنا هذه السيادة والندية في تعامل الملك حسين مع الكيان والمعسكر الغربي في مواقف منها مسألة اغتيال خالد مشعل ومسألة مصرع السائحات على يد العسكري الأردني على الأرض الأردنية، وكذلك الموقف الأردني من الحشد على العراق، والأكثر من كل هذا عايشناها مع الحفاظ على سلامة مكونات الدولة.
إلّا أن هذه المعاهدة لم تعد قائمة كما يعتقد الكثيرون، فمنذ إبرامها اعتبرتها الصهيونية جريمة خيانة عظمى بحق مشروعها وأيدولوجيتها التوراتية. وعندما قتل بطلها رابين ومات الملك انتهت المعاهدة عملياً ودفنت مسيرة الملك حسين وعادت دولة الدور والوديعة، وتغيرت من تلك النقطة طبيعة العلاقة بين الكيان والنظام وتحولت لعلاقة السيد بالمسود. حيث استؤنف المشروع الصهيوني في الأردن بوتيرة عالية بشكل مبرمج شمل تفكيك الدولة بالفساد بأشكاله ووضع السيف على رقبتها. ونحن في الأردن نعيش الآن هذه المرحلة. فرخاوة النظام في تفاعله الجاد مع اعتقال النائب الحر عماد العدوان رغم خصوصياتها فهي مرتبطة كغيرها بطبيعة العلاقة المستجدة مع الكيان
حيث استجاب نظامنا الأوتوقراطي المرتبط، رغم أنف الشعب ومؤسساته لبرامج العدو بعقد اتفاقيات إذعانية مستهجنة مع الكيان ومع راعيته أمريكا وشكلت تجميداً صارخاً لسيادة الدولة وتهديداً لسلامتها، ورهنت أمن وسلامة شعبها لعدوه الوجودي بتناقض تام مع مفاهيم نصوص معاهدة وادي وبما يلغي تفاهماتها القائمة على وجود دولة أردنية مستقلة ذات سيادة بحدودها وبنظامها وكيانها السياسي. واستؤنفت كل مستحقات المشروع الصهيوني في الأردن والتي كانت متوقفة بحكم سريان معاهدة وادي عربة. وما كان لهذا أن يكون ألّا برضوخ النظام أو بتعاونه
ولكن الخطورة أن هذا التعاون امتد للحقوق الممتازة للأردنيين ومواطنيتهم وكراماتهم الشخصية والوطنية واعتباريتهم القانونية. وهذا ما يعمق الخصومة السياسية ويجعل من النظام غريماً للشعب في معركة عصيان مع المؤسسة والقانون تطال رضوخ النظام لكل قرصنة وجريمة ارتكبها مجرمون وزعران اليهود وسلطات الكيان بحق الأردن والأردنيين وعلى أرضنا بدون ردة فعل رسمية من النظام سوى التعاون المُذل من خلال تعطيل القوانين والقضاء ودَوْر الأمن، وتطال صمته عن حقوق هدر دماء مواطنينا في عقر عاصمتنا وفي الحدود. ورضوخه لدخول قوافل كيان الإحتلال الداخلة والخارجة بحمولاتها، التي تجتاز حدودنا بدون توقف أو سؤال عن هوية الداخلين والخارجين في داخل العباءة الأمريكية من خلال اتفاقية الدفاع مع أمريكا.
ومع أن قضية النائب السيد،،العدوان,, كغيرها تعاني من طبيعة تطور العلاقة الإذعانية بين الأردن والمعسكر الصهيوني المشار اليها. لكن هذه القضية لها ما يميزها عن غيرها عند الشعب ومجلس النواب وعند النظام بما تسببه له من إحراج ووضع لا يُحسد عليه.. فالرجل نائب يمثل شعبا ووطنا اعتقل على خلفية تهمة تشرف كل الشعب الأردني بكل أطيافه، من قبل عدو ارتكب سلسلة من الجرائم على الأرض الأردنية بلا محاسبة ودون ردة فعل من النظام سوى التعاون المذل. وإن كان هذا يفرض على مجلس الأمة والشعب الأردني أن لا يتقبل عجز النظام عن استعادة النائب لمقر عمله في عمان، فإن النظام مطالب لاثبات حسن النوايا بأن يتخذ من هذا الحدث حافزاً ومدخلاً للإنقلاب على سياساته مع العدو بأثر رجعي يشمل جرائمه المعلقة بذاكرة الأردنيين.
ما فعله النظام لتاريخه بقضية،،العدوان، النائب الأردني الحر، هو لجوئه الفاشل إلى أمريكا بدلا من مواجهة الكيان ولو بأفضاله عليه لعله يحفظ له ماء وجهه. أمّا إن أصر على التمادي والهروب فلن تعجزه الوسائل للتخلص من المسؤولية الشعبية والإحراج، ومنها التواري خلف حل مجلس النواب لنزع النائب وضعه القانوني، ويمكن في المحصلة مقايضة تسليمه للقضاء الأردني بمسائل أمنية ليست في الحسابات الأردنية، فليس هم الكيان معاقبة النائب وإنما هدفه الحصول على معلومات مفصلة منه بشأن مصدر الأسلحة ووجهتها ومعرفة الشركاء. ولكن مع صعوبة التحقيق مع السيد النائب وصلابته وإصراره على أن التهمة ملفقة أو مدبرة، وصعوبة استخدام أساليب عنيفة معه لانتزاع اعترافات فليس مستبعداً أن يضطر الكيان للإستعانة بالنظام الأردني ومخابراته للحصول على المطلوب من النائب.