عن مراحل دخول السيارات للبلاد، ولزوم شرائها من عدمه / المرتضى محمد اشفاق
شبه أحد الشيوخ سيارة(فولس فاكون) نَبَقِيَّةَ اللون، عندما ظهرت أول مرة في هذه الديار ب(اتْوَيْسْ امْبكرْ مَحْكُومَهَ فيها النَّفْخَهْ)…
وهو تشبيه بليغ من بيئة المشبِّه، لم يستورده من محيط غريب عليه..
جادلني صديقي يوما في لزوم شراء سيارة، لأنها جَمَلُ العصر، وما تخلف رجل قديما عن امتلاك مركوب مهما كان مستواه المادي…
فكرنا في (كَتْ صَنْهْ كَتْ كامْيونتْ) ذات المنافع المتعددة، ولما حسبنا ما يقابلها من رواتبنا وجدنا أن علينا الاستغناء عن رواتبنا كاملة أربعة أعوام وخمسة أشهر…وما زلنا نسوف بالاقتراض حتى انقرضت، فالتفتنا إلى 504 برلين فاحتاجت إلى رواتبنا غير منقوصة خمس سنين وشهورا، ثم انقرضت…
وتتالت أشكال السيارات، واستحال علينا تبين هوياتها وقبائلها، فأينما وليت وجهك خلق جديد، متقارب الأشكال، يعسر على غير أولي الخبرة والمراس تحديد جنسه…
سمعنا بV8، وTX، وعلمنا من فقهاء البرص أنها عيال الأغنياء، محرمة بطونها على الضعفاء، فانصرفنا عنها انصراف القزم عن لمس السحاب..
اليوم انشقت الأرض عن أفواج وأسراب بألوان مختلفة، أكثرها السواد والرماد، انتشرت كالمنصات، والتيارات السياسية، والهجرة من الجماعات…
انتشرت RAV4 ضامرة الكفل كالضفدعة، بارزة الصدر كالضبع انتشار هواتف (موتورولا) بداية الألفين…
لم نكد ننبهر بها حتى رغبنا عنها، قال صاحبي ولم يك قبل صاحب هزل، ما بغّضها إلي إلا وجودها عند فلان وفلانة، فعلمت أنها لا تَتَمَنَّع على راغب، ولا تَتَعذَّر على واهب..وحسب الشيء من الهوان كثرته، ومن العز ندرته…
في الثمانينات لم يملك من طاقم إعدادية البنين سيارة إلا (ميشيل ديبوان) استاذ الرياضيات الفرنسي، كانت عنده 504 برلين خضراء، ثم بعد ذلك بسنوات دخلت المؤسسة ثلاث سيارات فقط، R5 بيضاء لأستاذة الإنكليزية (كباله)، وسيارتا
(deux chevaux)
فستقيتا اللون، واحدة لسيد أحمد ولد الشرقي أستاذ الإنكليزية، والأخرى لبله ولد الشيباني أستاذ التاريخ، وكان التلاميذ يشبهون أصوات (deux chevaux) بصراخ المرأة عند الولادة، ولولا قالة المشاغبين لزينت لصاحبي ذلك الجنس اللطيف من لازمات القطران..
قلت له لا عليك إذن سننتظر أن ينهار عز كريمات السفن، ونراها تحتطب للعامة، فالحسناء إذا شاخت وتبدلت حالها تبذلت للحقير، ورضيت باليسير، فلا ترد جيب فقير، ولا تعف عن زنة نقير…
قال لي أو حاصل ذلك في قابل الأيام؟ قلت نعم أما ترى السلطان إذا أديل منه ملكه يتلطف العامة، ويخطب ودها، والدهماء تنصرف عنه، وتتجنب مجالسه لجدب الدار، وتحول الحال، قال سبحان الباقي المتعالي، العاصم من الزيغ والضلال….
اليوم جاءني صاحبي عجلا، وقال إنه رأى صنفا من السيارات يمشي على ثلاث، وأنه الصنف المناسب لنا الآن، لأنه لا شك لن يجمع بين العاهة والغلاء…
فقلت له ذلك الصنف هو نحن، ألا ترى أننا اقتربنا من محطة المشي على ثلاث أرجل، ابحث عن عصا تتوكأ عليها، فالعكاز هو الرجل الثالثة التي تنتظر المسنين..
وانس أحلام أمس، فليس لائقا أن يجتمع حلم وشيب مفرقين..