نظرة سطحية – ٢ / صديق الحسن
أيها النّمل رفقًا بتلك الشجرة المباركة، ثانية اثنتين غرسهما جدّي أول ما وضع أساس الدّار. الجدّ الزارع الباني الذي ما زرع شجرة إلا أثمرت ولا حفر بئرًا إلا غمرت. كلّما بنى بيتًا عمّره بالغرس قبل النسل، وحين بنى أول بيت وُضع بين نوائل العريب من لبن وحديد، أوت إليه أفئدة الناس وصارت الدّار دوّارًا، والدّوار حيّا. شجرة البرتقال ماتت كمدًا بعد أن تركنا البيت وعمّره الـ كُراة، أما شجرة اللارنج فشاهدت توأمها تيبس سيقانها فيُقطّعها الهمج. راحت صور طفولتي معها حطبًا لأفران الشرابيب الذين لم ينسوا أنهم خدم النار حتى في قلب المدينة الطيبة. “رفقًا بهذه البرتقالة المقدسة يا داسر” قلت مخاطبًا الولد الشقي الذي اختاره رفاقه لجمع ثمار اللارنج المرّة اعتقادًا منهم أنها برتقال وهو خطأ سبقهم إليه الأشقياء من آبائهم. كُنا نضعها في خوابي الزيتون المشقوق والحامض ومُخلّلات الخضر فتُسرّع تصبيرها وتُكسبها مذاقًا رائعًا. سمعتُ أنهم صاروا يصنعون من اللارنج مربّى هذه الأيام ومن كل شئ، لا أفهم كيف يُخرجون الحُلو من المرّ، وهو من أثر يوتيوب دون شك. يا أيها الأولاد المتطايرون على خراب دارنا، يا أيتها الطيور الغريبة، في هذا الحوض غرست أمي شتلات ياسمين وحبق ونعناع، تحت هذه الشجرة جلس جدي وجدتي وأمي يشربون شايًا تخمّر في برّاد حُشرت فوهته بزهر برتقال التقطته أنا وأختي وآسية بنت الجيران ونحن نطوف حولهم كالنحل. هذا الجدع شيّع كل أهله لكنه شاهدٌ على غزل وخطبة وعرس ومأتم وقرآن الفجر. يا بني، احمل ما شئت من الحجارة من هذا الخراب ودع هذه الشجرة المقدسة وشأنها.