نوفمبر الذي لن يغيب/ النجاح بنت محمذفال
نظرت إلى الصورة وحدقت … كانت عيناها تسبحان في الهاتف و تطلقان جولات ما كان لها ان تصل جانبا حتى تغادره إلى آخر .. ماهذا البحث المضني أرادت النجاح بنت سيد احمد ان تفصح لتجيب ! لكن البحث أضناها ولم ينطلق لسان ابنة الربيع الاول لتقول أو لتتأوه :
كنت ابحث عن صورة ابي وهو يرسم لوحة السماء .. لوحة العز والارتقاء.. لوحة العلم الوطني الذي كان سواها مع اثنين من رفاقه في نوفمبر الماضي 2022 ما كان لها ان تعبر عن ذلك إلا بخطوط على شاشة هاتف محمول كان والدها لسياد يتركها تداعبه أثناء الوقت القليل الذي يمنحه إياها وقت ينتزعه من مسمار الزمن … وقت يداعبها فيه وهو المتعب المكابر النقيب الطيار المدرب الأصغر سنا بين صفوف الجيش الوطني …
ظلت تداعب شاشة الهاتف بأنامل تفتش عن وعود رسمها والدها حين يعود من التدريب او حين تكبر هي ، أو لما يرنوا إلى منكبه متطلعا سماء النجوم ! نجوم هي رتب نالها بجد متقلبا في سماء العز والارتقاء لم تقل الطفلة اي شيء .. فقد ودعها النقيب الطيار سيد احمد محمدن احمد باب ذات نوفمبر عندما غادرها ليرسم لوحة العلم مع رفاقه حين كان اللون الذهبي من نصيبه في اللوحة …
ودعها ذات نفمبر ثم عاد ، وهو الذي كان لتميزه الأثر البالغ في نفوس رفاقه ومتدربيه والقادة العسكريين الذين توجوا نبوغه بالترقية إلى رتبة رائد بعد استشهاده ما لاتدركه الوردة الجميلة هو أن الجموع الزاحفة إلى المسجد هي جموع تأبين لا حشود احتفاء نفمبر المعهودة ! فكان للدموع أحيانا مجراها مدرارا لولا أننا لسنا رجال دموع ! فلفد بادر قادته العسكريون إلى ما هو اهم إلى ترقية النقيب الطيار المقاتل إلى رتبة رائد وهي ترقية استثناىية لم ينلها اي ضابط طيار قبله، ولا كذلك اي ضابط آخر باستثناء الرائد البطل اسويدات ولد وداد …
قلبت الصغيرة الكبيرة الهاتف وكأنها تريد ان ترسم لوحة لتقلب الأحوال بالأمس الحضور واليوم الغياب ! غياب بلا وداع بلا أنات ! ابتسمت لترسم الأب الذي كان لا يهاب للحياة عراكا رفعت الصغيرة النجاح رأسها واطلقت للهاتف العنان وهي تزيح النظر في الجهات الأربع بحثا عن أب كان الأفضل بين أقرانه واختاره الله للقاء معجل !! فجع محبوه كما فجعت هي تعالت صيحات النساء واذنت اصوات ائمة المساجد بالتكبير ولكن كان أن أزف الرحيل ! لك أن تقري عينا فوالدك في الجنة هل تدركين ان كل الأوسمة والنياشين الدنيا ليس لها اي حساب بمنطق اهل الجنة وان الله يرعاك وإن غاب سادن نوفمبر والدك سيد أحمد ولد محمدن أحمد باب ! دمدمت ولم تفصح ابنة الربيع الاول : انت فخري يا أبي ..
مامات من ابقى ثناء مخلدا انت فخر كل من عرفك ، سبحان من خلقك فسواك ” الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ. سلام عليك يوم ولدت في نفمبر ويوم رسمت في سماء نواكشوط اعلام نفمبر نوفمبر الذي كان جدك اول شاعر شدى ليلته بالاستقلال ! وتوهمت الوردة أبا يرنو إليها : رددى معي غدا تشرق شمس نوفمبر من جديد ويرفع رفاق دربي في السلاح راية الحرية وتتزين السماء بألوان علمنا وتكون لك البشرى… لا تحسبي انه دوما وراء قتل أي شهيد يدا نظيفة ! بل وراء مصرع كل شهيد اياد آثمة وقلوب ملطخة بمشاعر الغدر والخيانة إنها المتتالية الازلية : الشهادة نتيجة لإثم اقترفته يد آثمة تلطخت بالغدر والخيانة لكن الشهداء يغيبون فقط لبعض الوقت ! وهم وحدهم من يدرك الحياة على حقيقتها ليتك تدركين ان من يقتلهم لا تسعده فعلته إنه ينغمس فى نهر احزان لا أول له ولا آخر ينقع رشيه الدنيء فيه ! لا ليخرج بل ليبقى ! لكنهم يظلون :”فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ “