انكسار الهلال الشيعي! ونموذج تركي للحكم قادم من رحم الإسلام السياسي العلماني!/ سليم البطاينه
19 ديسمبر 2024، 12:50 مساءً
عالم عربي يحتضر، وعالم عربيٌ جديد يولد الآن في زمن الوحوش يظهر الكثير من الفوضى والغموض، لسنا بـ منجمين ولا ضاربي وَدع لنقول ان هذا ما سيحدث في المنطقة قريباً! وللوهلة الأولى سيقف من يقرأ المقالة من عنوانها ويقول لن أستبق التفاصيل… فـ نحن أمام مشاهد لم تخطر على بال ميشيل عفلق وصلاح البيطار وقسطنطين زريق!
الأحداث الكبيرة تتوالى في المنطقة، وخريطة التحالفات والاصطفافات الدولية والإقليمية في حالة تغير مستمر! ولم تنضُج بعد، حتى بدت تلك العبارة مُملة لأن مسار الـ ما بعد هو نفسه مسار كل مرة، وما حصل في سوريا لم يكن ليحصل لولا أمريكا وضماناتها لتركيا والفصائل السورية المسلّحة التي تم الاتفاق عليها بعد ( مسار استانة) عام 2017! والتي باعتقادي لا يعرف عنها أي كان في المنطقة، فـ بعد عمليات خفض التصعيد في سوريا التي رعته دول مسار استانة عام 2017 قامت أمريكا بجمع كل الفصائل المسلحة المناهضة للنظام السوري (عددهم ثلاثين ألفا) تحت رعاية إشراف تركي ورعاية أمريكية، في مدينة إدلب السورية، وخارج إطار المصالح الاقتصادية والتجارية لا يوجد للولايات المتحدة الأمريكية أصدقاء أو أعداء دائمين … فـ لا وجود لأي صراع في العالم ليس لأمريكا حضور فيه!
باختصار كل شيء يسير حسب المخطط له، ولا أحد يستطيع الادعاء أنه يملك الرؤية الحقيقية بعد سقوط نظام الأسد.. ذلك الحدث الذي أذهل الأصدقاء قبل الأعداء والذي يجب التوقف عنده وقراءته بتمعن، فـ قليلون في المنطقة توقعوا النهاية الدراماتيكية لنظام عائلة الأسد! وهناك أسرارٌ وكواليس كثيرة تقف وراء مجريات ما حدث سـ يخبرنا التاريخ بها قريباً! فمعظم عواصم المنطقة وجدت نفسها أمام أحداث لم تكن بالحسبان! ولم تكن جاهزة للتعامل معها بسبب فشل أجهزتها الاستخبارية وحجب المعلومات عنها من قبل امريكا! فقد تلقت تلك العواصم ( لم تكن انقرة واحدة منها ) أنباء سقوط نظام الأسد بالقلق! بحيث دفعت الأنظمة المستقرة بالمنطقة نحو الارتباك ….. فـ سوريا هي قلب المشرق العربي ومفتاحه الجيوسياسي والاستراتيجي، وسقوط النظام السوري ليس مجرد حدث سياسي بل هو حدث محوري ومفصلي يمكن توصيفه بأنه أخطر حدث في تاريخ العرب!
بالتأكيد… عادت القوة والهوية لتنطلق من على ضفاف البسفور! واتّجهت البوصلة التركية نحو الشرق بموافقة أمريكية صرفة! وباتت مكانة إيران الإقليمية هي الأضعف حالياً منذ 30 عاماً … فـ تركيا ستملئ الفراغ الذي ستتركه إيران في المنطقة، وستكون في موضع تحدد من خلاله التوازنات الإقليمية والدولية! فقد ضمنت لنفسها نفوذاً يؤهلها لتكون لاعباً رئيسياً في المرحلة المقبلة خصوصاً في ظل غياب الفاعلين العرب عن تقرير مصير المنطقة! فمنذُ عام 2003 والمنطقة تعيش حالة من الفوضى وانفلات إيقاع ضبط موازين القوة.
وتعلَمُ تركيا (الفائز الجيو- استراتيجي المباشر) ان ما قد يحدث في سوريا بعد سقوط بشار الاسد سـ يحسب عليها كونها باتت اللاعب الخارجي الأكثر نفوذاً في سوريا، وان صورتها وأفعالها ومصالحها وعلاقاتها ستكون في الميزان : فـ الرئيس التركي أردوغان قال في تعقيبه على الأحداث الأخيرة في سوريا : ان تركيا على الجانب الصحيح من التاريخ كما كانت بالأمس! فهو على ما يبدو لديه رؤية للمستقبل العربي يعكس رؤيته للإسلام السياسي العلماني في محاربة الأيديولوجيا والإسلام الأصولي المتطرف، واستبداله بالنموذج التركي! فقد قرأ الرئيس أردوغان الدرس وتعلم من سوابق العراق وسوريا وليبيا واليمن وتونس.
لا أريد هنا الدخول في التفاصيل لأنها سردية طويلة ممزوجة بالغموض! لكن بعد استقرار الوضع في سوريا سيكون هنالك حقبة جديدة من التحولات الجيوسياسية تعيد تشكيل موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط، وستلعب تركيا دورا في بناء مستقبل المنطقة، وسيتم تشكيل مشهد جيو – اقتصادي جديد في المنطقة : أهمّه مشروع خط أنابيب الغاز الذي يربط قطر بتركيا وصولاً إلى أوروبا، والذي رفضه الاسد حماية لمصالح روسيا كونها المورد الرئيسي للغاز الى أوروبا، هذا المشروع الذي ساهم الى حد كبير في تعقيد الديناميكيات الجيوسياسية المحيطة بالصراع السوري.
ما يدور حالياً في سوريا هو محط أنظار العالم، وما حصل سوف يؤثر لاحقاً على شكل المنطقة، والأيام القادمة هي من تحدد مستقبل سوريا ووحدة أراضيها، ومن خلالها سنعرف الكثير من المواقف داخلياً وخارجياً : أولها ( هوية الدولة ونظامها الاقتصادي، و استقلالها الداخلي بتأسيس مجتمع قائم على الحقوق والحريات، ودعم تعايش العرقيات والمذاهب والأقليات في إطار يستوعب اختلافاتها، إضافة الى طبيعة علاقاتها مع جيرانها، وإدراكها لـ جسامة الخطر الصهيوني الزاخم والدائم.
سوريا تحتضن أكثر من 26 طائفة، وأي حكم بـ أيديولوجيا دينية في بلد متنوع الأعراق والأديان سيفتح مستقبل سوريا على مخاطر عديدة ولن يأخذ سوريا الى بر الأمان، بل سيتم من خلال ذلك الدعوة الى رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط والتخلص من كل ما يعكر صفو امريكا واسرائيل، والتي ستكون السبب في تقسيم سوريا الى أربعة أقاليم، فانهيار النظام خلف بلاداً مفككة.
التحليل دون معلومات لن يساعد فهم وخبايا المخطط القادم على المنطقة، وواضحٌ جداً أن هناك ضعف في مراكز التحليل والتنبؤ العربية … لكن في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة والغامضة سيبقى الدور للسوسيولوجيا التي بدورها سترصد التحولات العميقة القادمة في المنطقة العربية! وهل سَتُحدث تلك التحولات تغييرات قادمة في الأدوار؟