هل كانت بداية النهاية أم نهاية البداية؟/ محي الدين عميمور
23 ديسمبر 2024، 17:32 مساءً
تابعت بكل اهتمام عديد التعليقات التي تناولت حديثي الماضي، والتي أزعم أنها تكاد تكون صورة بالألوان الطبيعية لمجمل قراء الساحة العربية.
كان هناك قراء كرام فهموا ما أردت قوله، وتفهموا ما كانت تعنيه البرقيات التي لم يتسع المجال للتوسع في تفاصيلها، وتجاوزوا عما يمكن أن يكون قد جاء في الحديث من خطأ في التحليل أو تسرع في الأحكام أو فرارا من وضع النقاط تحت بعض الحروف.
وكانت هناك قلة مارست، كعادتها، الخروج عن مضمون الحديث إلى قضايا هدفها الخروج بالقراء إلى غير ما يريده الحديث، أو إلى تصفية حسابات مع الكاتب أو مع بلاده، وهي تعليقات أوقن بأن القارئ وضعها في حجمها الحقيقي.
وكنت قلتُ، بكل تواضع، إنني مجرد مثقف يرقب الأحداث من سطح بيته البعيد، ويرصد ما يراه ليحاول أن يفهمه ويتفهمه مستعينا بدروس تجارب مر بها عبر سنين طويلة يتصور أنها سوف تمكنه من تسليط ما يمكنه من أضواء على ما نراه جميعا في ساحة مضطربة تتشابك فيها المعطيات ويغطي الدخان الكثير من جوانب، ولم أدّعِ يوما أنني أمتلك الحقيقة، ويسعدني دائما أن يكون هناك من يُصحح أخطائي أو يستكمل معلوماتي أو يناقش تحليلاتي، وهو، في تصوري، دور منوطٌ بأي مُعلّقٍ يمارس قراءة واعية بعيدة عن تصفية أي حسابات، وملتزمة بالضوابط التي يتطلبها الحوار الفكري عبر منبر إعلامي يفتح صدره لكل رأي حرّ، ولا مجال فيه للمزايدات وللغمز واللمز والبلاغيات.
وأعترف أنه كان في الحديث بعض الغموض الذي نشأ عن اختصار بعض الجمل أو عجز في تحليل بعض العناصر أو قصور في استعراض كل المعطيات مما حالَ دون وصول رسائل أتصور أنه كانت لها أهميتها في دراسة التطورات التي تعرفها الساحة العربية.
ولهذا أتوقف اليوم عند نقطتين أرى أنهما في حاجة لبعض التعمق في الدراسة، لأنه لهما، فيما رأيت، دورا بالغ الأهمية فيما وصلت له الأمور.
وكنت قلت ما معناه إن بداية النهاية أو نهاية البداية كانت في الربط العضوي اللاعقلاني بين المقاومة العربية للكيان الصهيوني وبين نظام حكم، ليس من حقه بأي حال من الأحوال أن يحتكر دعم المقاومة.
وكنت أقصد الربط بين المقاومة الفلسطينية ومن يدعمها وبين نظام حكم الرئيس الأسد، الأب ثم الابن، لأن هذا جعل المقاومة تتحمل مسؤولية كثير من التجاوزات التي عرفتها سوريا في عهد النظام السابق، وفرضت عليها تحالفا اضطراريا معه ربما كان من بين أسباب التعقيدات التي واجهتها في سنوات لاحقة.
وبوضوح أكثر أقول إن ذلك فرض على حزب الله الالتزام بدعم النظام السوري، فأصبح شريكا في تحمل مسؤولية كل المثالب التي نسبت للنظام السوري خلال وجود قواته في لبنان، ثم جعلت منه جزءًا فاعلا في مواجهات النظام للمعارضة السورية في العشرية الثانية.
ولأن جهاد حزب الله ما كان ليثمر بدون الدعم الكامل للجمهورية الإيرانية فإن هذا جعل طهران حليفا فعليا للنظام السوري في كل الممارسات التي تنعكس اليوم على نوعية التعامل السوري معه.
ويمكن أن نتخيل النتائج عندما نتذكر أن حزب الله كان من أهم قلاع المقاومة العربية ضد الكيان الصهيوني، إن لم يكن القلعة الأساسية وربما الوحيدة قبل السابع من أكتوبر 2023، وهو ما يفرض علينا أن نعترف بأن ذلك ما كان ليتحقق بدون الدعم الكامل للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو ما جعل طهران العدو الرئيس للكيان الصهيوني، وبدون اعتبار لما يدعيه البعض من خلفيات برعت في التركيز عليها أصوات التطبيع وأبواق الخذلان.
وأعترف هنا بأن الجزائر تتحمل مسؤولية كبيرة في الربط بين النظام السوري والمقاومة الفلسطينية، وبغض النظر عن أن هذا كان تعبيرا عن موقف الجزائر العملي ضد الكيان الصهيوني.
وأذكر بأنني كنت أشرت إلى قوة العلاقات التي ربطت الجزائر بالجمهورية السورية، والتي كان من بين نتائجها أن دمشق أصبحت الطريق المباشر وربما الوحيد الذي كانت المقاومة الفلسطينية تتلقى الأسلحة من الجزائر، وهو ما كان رواه الشهيد ياسر عرفات في أكثر من مداخلة متلفزة.
وتأتي هنا النقطة الثانية التي أشرت لها باختصار لعله حجب ما كنت أريد قوله، وهو أن من أهم أسباب الانهيار الذي عرفته الأحداث كان سقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان في 19 مايو الماضي، حيث أن ما حدث بعد ذلك انعكس فيما بدا على الموقف الإيراني بما يطرح شكوكا كثيرة حول أسباب سقوط “الحوّامة”.
وللتذكير، فقد قام الكيان الصهيوني بعد عدّة أسابيع بقنبلة مقر رئيس حركة حماس في 31 يوليو 2023، وخسرت المقاومة الفلسطينية أهم قياداتها السياسية باستشهاد إسماعيل هنية في ظروف أعترف بأنني لم أقتنع بكل ما قًدّم حولها من شروح وتبريرات.
وبعد ذلك بأسابيع معدودة عرف حزب الله أول اختراق خطير لصفوفه في 17 سبتمبر 2024، عندما فقد مئات من رجاله فيما عرف بعملية “البيجر”، التي انفجرت فيها هواتف تم شراؤها في صفقة مشبوهة لا أعرف عنها الكثير.
حدث كل هذا بينما كانت غزة هاشم تتعرض لأبشع مذبحة عرفها التاريخ المعاصر، وكانت أعداد الشهداء ترتفع كل يوم بما يوحي أن الأمر هو عملية إبادة جماعية ممنهجة، وكانت القوة الوحيد القادرة على فتح جبهة ثانية ضد الكيان الصهيوني هي قوة حزب الله، الذي انتهج سياسة ضبط النفس، وهو ما كنت قلت إنه كان قرارا عقلانيا إذا لم تطل مدة ” الصمت الإستراتيجي”، كما وصفه البعض، بما يلغي الأثر الردعي المطلوب.
ولن أطيل اليوم، بل أكتفي بتحذير القيادة السورية الجديدة من محاولة كسب أعداء الأمس بالتفريط في تحالفات الأمس.
ولعلي أذكر ببيت الشعر القديم الذي أراده البحتري تنبيها للغافلين، فقال: دعوتُ على عمرٍو فمات فسرّني * وعاشرت أقوامًا بكيتُ على عمرِو.
وأختم بما رُوِي عن أحد حكماء بني أمية عندما سئل عن سبب سقوط دولتهم فقال: قرّبنا العدو طمعاً في كسب وده وبعّدنا الصديق ضامنين ولاءه فنالنا غدر الأول وخسرنا ولاء الثاني”.