ثقافة وفنموضوعات رئيسية
الزمان والمكان: رهانات الفكر وقيود الوجود / كبرياء رجل

ألا ليتنا ندرك أن الزمان والمكان ليسا إلا سجنين مترامي الأطراف، لا من سبيل للخلاص منهما إلا بتسلق جدرانهما اللامتناهية عبر الأدب. ففي الأدب العربي، لا يسير الزمان كسيلٍ عابر، ولا المكان كظلٍ باهت؛ بل يتنقلان بين يدي الكاتب كمرآتين مكسورتين، يكشفان عن أبعادٍ غير مرئية من الوجود البشري. ليس الزمن إلا تكثيفًا مستمرًّا للمواقف والأفكار، وليس المكان سوى بوصلةٍ تهدينا نحو الداخل، نحو ذلك القابع في أعماق الروح.
فما الزمان، إذا لم يكن سيلًا متدفقًا يَسْتَرِقُ لحظاتنا كما يسترِقُ الليل منَّا النوم؟ وأيّ مكان يمكن أن يكون؟ أهو مجرد مسافةٍ جغرافية بين نقطةٍ وأخرى؟ أم هو ساحةٌ معركةٍ تُختصر فيها حيواتُنا بأقدارٍ تُبَاشِرُنا مع كل خطوة؟ إن الزمان والمكان في الأدب العربي ليسا مجرد ظرفين يتوسّطان الأحداث؛ هما العنصران اللذان يشدان الروح ويغرقانها في أفقٍ لا يُرى إلا بالقلب.
إذا نظرنا إلى آثار الماضي، نجد أن الزمان لا يُختزل في سنواتٍ تُمَسّحُها الذاكرة. بل هو سيرةٌ مستمرةٌ، لا تكف عن بثّ أنفاس الأبطال في ثنايا السطور. ولطالما كانت قصائدنا العربية، من “لامية العرب” إلى “معلقاتها” كأصداءٍ للزمن الذي لا يموت، يتنقل من جيلٍ إلى جيلٍ عبر الأحرف التي تَذْهَبُ ولا ترحل. يكتب المتنبي في الذاكرة الزمنية للأمة: “ما كل ما يتمناه المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”. وكل كلمة في هذه الأبيات ليست مجرد ترتيبٍ لغويٍّ، بل هي الزمن المتحرك في مفرداتٍ، والمكان الذي يتسع لآلامٍ وآمالٍ لا تُرى إلا عند الالتقاء مع الذات العميقة.
أما المكان في الأدب العربي، فهو ليس مجرد موقعٍ مكانيٍّ. إنه عالمٌ، مرآةٌ لذاتنا المضطربة، ومرتعٌ لعذاباتنا وأحلامنا. نراه في صحراء “قيس” معبّرا عن الفراغ الذي يخلو إلا من الذكريات والأشواق. ونسمعه في أصداء الجبال، التي تُصغِي لآهات الشاعر في “الأطلال” كما تصغي الأرواح إلى شريط حياتها الأخير. إذن، المكان هو الموجة التي تندفع على ساحل الزمن، وكل لحظة فيه، تشكل ذروةً تتعالى فيها أصوات الضمير الإنساني.
في هذا السياق، يتداخل الزمان والمكان في لوحةٍ فنيةٍ بديعة، تستمر من خلالها الحياة ذاتها. فكأنما الزمان ليس هو الذي يمر، بل نحن الذين نمر في الزمان، ونحن الذين نقيم في المكان، دون أن نملك من أمرنا إلا تلك اللحظات التي نحتفظ بها في كتاباتنا، والتي تصبح مع مرور الوقت، حجر الزاوية في الحضارة الإنسانية.
والأدب، إذ يلتقط هذه اللحظات من الوجود، يتقن فنّ التعبير عن هذه الأبعاد غير المحدودة في مشهدٍ يتسع ولا يضيق. تظل اللغة العربية هي الأدوات الدقيقة التي تعزف على أوتار الزمان والمكان، فتُحَلِّقُ بالخيال بعيدًا عن الأرض، بينما تعيدنا إلى الجذور، حيث لا شيء يتحرك إلا بما تحركه الكلمات. وإذا كانت القلوب هي الزمان والمكان، فإنا نجدها لا تملك سوى التفاني في البحث عن مغزاها الحقيقي، في أن تكون جزءًا من الخلود الذي تكتبه الأجيال.
المصدر: الفيسبوك – صفحة كبرياء رجل
فما الزمان، إذا لم يكن سيلًا متدفقًا يَسْتَرِقُ لحظاتنا كما يسترِقُ الليل منَّا النوم؟ وأيّ مكان يمكن أن يكون؟ أهو مجرد مسافةٍ جغرافية بين نقطةٍ وأخرى؟ أم هو ساحةٌ معركةٍ تُختصر فيها حيواتُنا بأقدارٍ تُبَاشِرُنا مع كل خطوة؟ إن الزمان والمكان في الأدب العربي ليسا مجرد ظرفين يتوسّطان الأحداث؛ هما العنصران اللذان يشدان الروح ويغرقانها في أفقٍ لا يُرى إلا بالقلب.
إذا نظرنا إلى آثار الماضي، نجد أن الزمان لا يُختزل في سنواتٍ تُمَسّحُها الذاكرة. بل هو سيرةٌ مستمرةٌ، لا تكف عن بثّ أنفاس الأبطال في ثنايا السطور. ولطالما كانت قصائدنا العربية، من “لامية العرب” إلى “معلقاتها” كأصداءٍ للزمن الذي لا يموت، يتنقل من جيلٍ إلى جيلٍ عبر الأحرف التي تَذْهَبُ ولا ترحل. يكتب المتنبي في الذاكرة الزمنية للأمة: “ما كل ما يتمناه المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”. وكل كلمة في هذه الأبيات ليست مجرد ترتيبٍ لغويٍّ، بل هي الزمن المتحرك في مفرداتٍ، والمكان الذي يتسع لآلامٍ وآمالٍ لا تُرى إلا عند الالتقاء مع الذات العميقة.
أما المكان في الأدب العربي، فهو ليس مجرد موقعٍ مكانيٍّ. إنه عالمٌ، مرآةٌ لذاتنا المضطربة، ومرتعٌ لعذاباتنا وأحلامنا. نراه في صحراء “قيس” معبّرا عن الفراغ الذي يخلو إلا من الذكريات والأشواق. ونسمعه في أصداء الجبال، التي تُصغِي لآهات الشاعر في “الأطلال” كما تصغي الأرواح إلى شريط حياتها الأخير. إذن، المكان هو الموجة التي تندفع على ساحل الزمن، وكل لحظة فيه، تشكل ذروةً تتعالى فيها أصوات الضمير الإنساني.
في هذا السياق، يتداخل الزمان والمكان في لوحةٍ فنيةٍ بديعة، تستمر من خلالها الحياة ذاتها. فكأنما الزمان ليس هو الذي يمر، بل نحن الذين نمر في الزمان، ونحن الذين نقيم في المكان، دون أن نملك من أمرنا إلا تلك اللحظات التي نحتفظ بها في كتاباتنا، والتي تصبح مع مرور الوقت، حجر الزاوية في الحضارة الإنسانية.
والأدب، إذ يلتقط هذه اللحظات من الوجود، يتقن فنّ التعبير عن هذه الأبعاد غير المحدودة في مشهدٍ يتسع ولا يضيق. تظل اللغة العربية هي الأدوات الدقيقة التي تعزف على أوتار الزمان والمكان، فتُحَلِّقُ بالخيال بعيدًا عن الأرض، بينما تعيدنا إلى الجذور، حيث لا شيء يتحرك إلا بما تحركه الكلمات. وإذا كانت القلوب هي الزمان والمكان، فإنا نجدها لا تملك سوى التفاني في البحث عن مغزاها الحقيقي، في أن تكون جزءًا من الخلود الذي تكتبه الأجيال.
المصدر: الفيسبوك – صفحة كبرياء رجل