آراءموضوعات رئيسية
دعيت لموضوع الإعدام ،فأعدت نشرها لأني لم أتغير.. / بونا ولد الحسن

نعم للقصاص… لا لإلغاء عقوبة الإعدام
دفاع عن عدالة النص ورفض لسطوة التغريب
بقلم: الأستاذ بونا ولد الحسن – محامٍ لدى المحاكم الموريتانية
العلماء وقول الحق
فوجئنا مؤخرًا ببعض المواقع الإلكترونية تنشر قائمة تضم أسماء معروفة في عالم الفكر والثقافة، تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام من القوانين الموريتانية، اقتداءً بما هو معمول به في بعض الدول ذات المرجعيات غير الإسلامية.
كان المنتظر أن يصدر عن الجهات العلمية والشرعية ردٌّ جماعي يبيّن خطورة هذه الدعوة، لا سيما على عقول من انبهر ببريق الحضارة الغربية ومظاهرها الزائفة.
وقد سرّني أن قرأت ردًّا للعالم الفاضل إسلمو ولد سيد المصطفى، غير أن الرد، رغم وجاهته، جاء مقتضبًا ولم يتعرض لتفصيل بعض المصطلحات التي قد يؤدي غموضها إلى زعزعة في الأصول العقدية.
وربما رأى بعض العلماء أن الردّ فرض كفاية، فاكتفوا بعبارات متفرقة تولّى العالم المذكور نشرها. غير أن الصمت، وإن لم يكن مقصودًا، يبقى في مثل هذه القضايا خطرًا لا يقلّ عن الجهر بالباطل.
فالخطأ الناتج عن الإهمال لا يقلّ أثرًا عن القصد المبيَّت، والتذكير في هذه الحال واجب، لأن {الذِّكرى تنفع المؤمنين}.
في مفهوم “الإعدام”: من الغفلة إلى المفاصلة
من المهم، قبل الخوض في الموقف من العقوبة، الوقوف عند المصطلح ذاته.
إن “الإعدام” لفظ دخيل، لا أصل له في الفقه الإسلامي، بل هو من إفرازات الفكر الفلسفي المادي، الذي يرى في الموت نهاية مطلقة للفرد.
أما الإسلام، فيُقرّ أن القتل المشروع – قصاصًا أو حدًا – ليس “إعدامًا” بل انتقالٌ من دار فانية إلى دار باقية، وفق أمر الله، وبشروط صارمة تراعي العدالة والرحمة.
فمن يُصرّ على حمل لفظ “الإعدام” بمعناه الفلسفي المجرّد، ينكر ضمنًا أصلًا من أصول العقيدة: البعث والنشور، والعياذ بالله.
وإذا كان الإسلام قد شرع القصاص، فلأنه يحفظ به الدماء والمجتمعات، كما قال تعالى:
{ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}.
بين القصاص والجريمة البشعة: حين لا تكفي الرحمة وحدها
شهدت بنفسي محاكمة ثلاثة إخوة قتلوا محاميًا وزوجته، ثم أذابوا جثتيهما بمواد كيميائية، طمعًا لا فقرًا، وعدوانًا لا دفاعًا.
وفي حادثة أخرى، قُتلت امرأة وهي تحتضن رضيعها، على يد شابين مخمورين، بجوار زوجها العاجز عن الحركة.
أفهل يُعقَل أن يُساوى موقف ذوي هؤلاء الضحايا، مع من ينادي بإلغاء القصاص؟
أفهل يُنصَف المجتمع إن قُيّدت يد العدالة باسم الرحمة؟
أي منطقٍ ذاك الذي يُلغي الحدود باسم “الإنسانية”، ويترك المجرم ينجو، فيما الضحية تُنسى؟
المرجعية والقياس الفاسد
إن الدعوة لإلغاء عقوبة القتل الشرعي، تنبع من مرجعية تستبدل وحي السماء بمنطق الإنسان، وتُخضع النصوص لمزاج اللحظة.
من يستدل بـ”عام الرمادة” لإلغاء العقوبات، يجهل أن تعليق الحدود آنذاك لم يكن خروجًا على النص، بل تطبيقًا دقيقًا له، لأن الجوع مانع معتبر شرعًا.
وكذلك القصاص، لا يُنفّذ إلا باستيفاء شروط دقيقة تضمن العدالة وترفع الشبهة، فإذا اختلّ ركن من أركانه سقط الحد، ولم تُهدَر كرامة الإنسان.
فالشرع لا يعرف البطش، لكنه لا يقبل التسيّب.
ازدواجية المعايير الغربية: عدالة بوجهين
العالم الذي يشنّ حملات على الدول الإسلامية بحجة الدفاع عن “حقوق الإنسان”، هو ذاته الذي يمارس الإعدام سرًّا وجهارًا، متى ما مست المصالح.
حين تُعدم الولايات المتحدة جاسوسًا أو قاتلًا، فهو “حماية للأمن القومي”، وحين تقصف قرى بأكملها في غزة أو غيرها، فهو “مكافحة للإرهاب”.
أما إذا طبّق بلد مسلم القصاص على قاتل ثبت جرمه بيقين، فهو “خرقٌ للمعايير الدولية”.
وهكذا، يُكشف النفاق الحقوقي في أبشع صوره، وتُحرَّك المفاهيم حسب الجغرافيا والعرق والمصلحة.
كلمة لا بد منها
إن ما يروّجه بعض المثقفين من دعوات لإلغاء القصاص، مغلف برداء إنساني زائف، يخفي خلفه انبهارًا مرضيًا بثقافة الآخر.
وما يقدمونه، في حقيقته، كما قال الشاعر: “باقة وردٍ تضم أفعى رقطاء”.
لست واعظًا، ولكني محامٍ لا يساوم في الثوابت، وأرى أن من واجبي أن أقولها بوضوح:
إن إنكار ما ثبت بالنص الصحيح غير المؤوَّل، ردة لا تحتمل التأويل.
ومن اتخذ الإسلام مرجعية، فعليه أن يُسلّم للشرع، لا أن يراوغه باسم العقل والمنطق.
فمن ركن إلى ما خالف النص، ضلّ عن سواء السبيل، وجرّ المجتمع إلى هاوية التيه.
والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
بونا ولد الحسن – محام
المصدر: الفيسبوك – صفحة Bouna Elhassen.
دفاع عن عدالة النص ورفض لسطوة التغريب
بقلم: الأستاذ بونا ولد الحسن – محامٍ لدى المحاكم الموريتانية
العلماء وقول الحق
فوجئنا مؤخرًا ببعض المواقع الإلكترونية تنشر قائمة تضم أسماء معروفة في عالم الفكر والثقافة، تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام من القوانين الموريتانية، اقتداءً بما هو معمول به في بعض الدول ذات المرجعيات غير الإسلامية.
كان المنتظر أن يصدر عن الجهات العلمية والشرعية ردٌّ جماعي يبيّن خطورة هذه الدعوة، لا سيما على عقول من انبهر ببريق الحضارة الغربية ومظاهرها الزائفة.
وقد سرّني أن قرأت ردًّا للعالم الفاضل إسلمو ولد سيد المصطفى، غير أن الرد، رغم وجاهته، جاء مقتضبًا ولم يتعرض لتفصيل بعض المصطلحات التي قد يؤدي غموضها إلى زعزعة في الأصول العقدية.
وربما رأى بعض العلماء أن الردّ فرض كفاية، فاكتفوا بعبارات متفرقة تولّى العالم المذكور نشرها. غير أن الصمت، وإن لم يكن مقصودًا، يبقى في مثل هذه القضايا خطرًا لا يقلّ عن الجهر بالباطل.
فالخطأ الناتج عن الإهمال لا يقلّ أثرًا عن القصد المبيَّت، والتذكير في هذه الحال واجب، لأن {الذِّكرى تنفع المؤمنين}.
في مفهوم “الإعدام”: من الغفلة إلى المفاصلة
من المهم، قبل الخوض في الموقف من العقوبة، الوقوف عند المصطلح ذاته.
إن “الإعدام” لفظ دخيل، لا أصل له في الفقه الإسلامي، بل هو من إفرازات الفكر الفلسفي المادي، الذي يرى في الموت نهاية مطلقة للفرد.
أما الإسلام، فيُقرّ أن القتل المشروع – قصاصًا أو حدًا – ليس “إعدامًا” بل انتقالٌ من دار فانية إلى دار باقية، وفق أمر الله، وبشروط صارمة تراعي العدالة والرحمة.
فمن يُصرّ على حمل لفظ “الإعدام” بمعناه الفلسفي المجرّد، ينكر ضمنًا أصلًا من أصول العقيدة: البعث والنشور، والعياذ بالله.
وإذا كان الإسلام قد شرع القصاص، فلأنه يحفظ به الدماء والمجتمعات، كما قال تعالى:
{ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}.
بين القصاص والجريمة البشعة: حين لا تكفي الرحمة وحدها
شهدت بنفسي محاكمة ثلاثة إخوة قتلوا محاميًا وزوجته، ثم أذابوا جثتيهما بمواد كيميائية، طمعًا لا فقرًا، وعدوانًا لا دفاعًا.
وفي حادثة أخرى، قُتلت امرأة وهي تحتضن رضيعها، على يد شابين مخمورين، بجوار زوجها العاجز عن الحركة.
أفهل يُعقَل أن يُساوى موقف ذوي هؤلاء الضحايا، مع من ينادي بإلغاء القصاص؟
أفهل يُنصَف المجتمع إن قُيّدت يد العدالة باسم الرحمة؟
أي منطقٍ ذاك الذي يُلغي الحدود باسم “الإنسانية”، ويترك المجرم ينجو، فيما الضحية تُنسى؟
المرجعية والقياس الفاسد
إن الدعوة لإلغاء عقوبة القتل الشرعي، تنبع من مرجعية تستبدل وحي السماء بمنطق الإنسان، وتُخضع النصوص لمزاج اللحظة.
من يستدل بـ”عام الرمادة” لإلغاء العقوبات، يجهل أن تعليق الحدود آنذاك لم يكن خروجًا على النص، بل تطبيقًا دقيقًا له، لأن الجوع مانع معتبر شرعًا.
وكذلك القصاص، لا يُنفّذ إلا باستيفاء شروط دقيقة تضمن العدالة وترفع الشبهة، فإذا اختلّ ركن من أركانه سقط الحد، ولم تُهدَر كرامة الإنسان.
فالشرع لا يعرف البطش، لكنه لا يقبل التسيّب.
ازدواجية المعايير الغربية: عدالة بوجهين
العالم الذي يشنّ حملات على الدول الإسلامية بحجة الدفاع عن “حقوق الإنسان”، هو ذاته الذي يمارس الإعدام سرًّا وجهارًا، متى ما مست المصالح.
حين تُعدم الولايات المتحدة جاسوسًا أو قاتلًا، فهو “حماية للأمن القومي”، وحين تقصف قرى بأكملها في غزة أو غيرها، فهو “مكافحة للإرهاب”.
أما إذا طبّق بلد مسلم القصاص على قاتل ثبت جرمه بيقين، فهو “خرقٌ للمعايير الدولية”.
وهكذا، يُكشف النفاق الحقوقي في أبشع صوره، وتُحرَّك المفاهيم حسب الجغرافيا والعرق والمصلحة.
كلمة لا بد منها
إن ما يروّجه بعض المثقفين من دعوات لإلغاء القصاص، مغلف برداء إنساني زائف، يخفي خلفه انبهارًا مرضيًا بثقافة الآخر.
وما يقدمونه، في حقيقته، كما قال الشاعر: “باقة وردٍ تضم أفعى رقطاء”.
لست واعظًا، ولكني محامٍ لا يساوم في الثوابت، وأرى أن من واجبي أن أقولها بوضوح:
إن إنكار ما ثبت بالنص الصحيح غير المؤوَّل، ردة لا تحتمل التأويل.
ومن اتخذ الإسلام مرجعية، فعليه أن يُسلّم للشرع، لا أن يراوغه باسم العقل والمنطق.
فمن ركن إلى ما خالف النص، ضلّ عن سواء السبيل، وجرّ المجتمع إلى هاوية التيه.
والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
بونا ولد الحسن – محام
المصدر: الفيسبوك – صفحة Bouna Elhassen.