canlı casino siteleri casino siteleri 1xbet giriş casino sex hikayeleri oku
آراءموضوعات رئيسية

بين ضوء الحرية وظلال الفوضى / محمد لحظانه

في لحظات التحوّل الكبرى، تصبح الكلمة أمانة قبل أن تكون حقًا، ويغدو الصدق في التعبير شرطًا لصيانة الحرية من أن تنزلق إلى أداة للإيذاء أو التشويه. فالكلمة قد تكون جسرًا نحو الإصلاح كما قد تتحول سلاحًا يطعن الثقة ويشوّه الصورة. وفي هذه الأيام، يطلّ علينا من يروّج لادعاءات عن تراجع الحريات، وهي أقوال لا تجد في الواقع ما يسندها، بينما أبواب التعبير المسؤول ما تزال مشرعة أمام كل رأي صادق. ولعل الباعث على هذه السطور هو الاستغراب من بعض تلك التصريحات، ومحاولة وضع الأمور في نصابها الحقيقي برؤية موضوعية لا تنحاز إلا للصدق، ولا تهدف إلا إلى إنصاف الحقيقة بعيدًا عن ضباب الانفعال أو التهويل. وهنا ندرك أن جوهر النقاش ليس في وجود الحرية بحدّ ذاتها، بل في كيفية ممارستها وصيانتها.
إن حماية حرية التعبير قيمة راسخة لا يكتمل مشروع الإصلاح بدونها، وهي مكسب وطني لا مجال للتفريط فيه. غير أن الحرية، كما في المجتمعات الناضجة، لا تنفصل عن حدود صيانتها: فهي لا تحتمل التعسف في التضييق، لكنها أيضًا لا تسمح بعبور خط الفوضى أو التشهير. ومن هنا يصبح الوعي بهذه الحدود ضمانًا لاستمرار الحرية، لا تهديدًا لها. فالحرية بلا وعي تنقلب إلى فوضى، كما أن الانضباط بلا حرية يتحول إلى قيد. والأخطر أن ترك المجال للفوضى قد يفضي إلى نتائج عكسية يصعب تجاوزها، إذ يتحول الانفلات إلى واقع يلتهم المكسب ذاته ويشوّه معناه.
وتحت القيادة الحالية، ظلّ المجال مفتوحًا للرأي والرأي الآخر في ظل سيادة القانون، الذي يحمي الحق من أن يتحول إلى أداة لاغتيال السمعة أو زعزعة الثقة العامة. لكن هذا الانفتاح، القائم على الصبر وسعة الصدر، لا ينبغي أن يُساء فهمه أو يُستغل؛ فسماحة الموقف ليست جواز مرور للتطاول أو المساس بكرامة الأفراد. ومن الإنصاف أن ندرك أن بعض التصرفات التي تُفسَّر على أنها تضييق على الحريات قد تكون لها أسباب أعمق مما يبدو على السطح؛ لذا وجب التريث قبل توزيع الاتهامات، فالحكم دون معرفة الحقيقة قد يظلم الموقف ويفسد المعنى. وهنا تتأكد الحاجة إلى ميزان دقيق يوازن بين الحرية كحق والمسؤولية كواجب.
إن المجتمع الذي يريد الحفاظ على صوته، عليه أن يميز بين الكلمة التي تضيء الطريق وتلك التي تثير الغبار في العيون؛ بين النقد الذي يشخص الخلل والخطاب الذي يغرس الشك في كل ما هو قائم. وعندما نعي هذه الفوارق، ندرك أن الحرية والانضباط ليسا خصمين متنافرين، بل توأمان يحمي أحدهما الآخر. وعندها نفهم أن صون الكلمة الصادقة قد يتطلب أحيانًا وضع سياج أمام الكلمة الزائفة، لا دفاعًا عن سلطة عابرة، بل حفاظًا على حق باقٍ، وصونًا لوطن لا يليق به أن يختلط فيه النور بالظلام، ولا أن تُشوَّه فيه صورة الإصلاح بظلال الافتراء. وهكذا يتأكد أن الحرية لا تُصان فقط برفع القيود، بل بحكمة استخدام الكلمة، وهو ما يعكسه خيار الدولة الراهنة في الجمع بين الانفتاح والضبط، بما يضمن للوطن أن يبقى وفيًا لنوره، محميًا من غبار الفوضى وظلالها، وهكذا ندرك أن الحرية الحقيقية لا تعيش في فراغ الفوضى، بل تزدهر حين يحرسها الوعي وتوازنها المسؤولية.



محمد لحظانه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى