canlı casino siteleri casino siteleri 1xbet giriş casino sex hikayeleri oku
آراءموضوعات رئيسية

الإنسان الموريتاني بين قوالب المجتمع وتيه الحداثة و التحول القيمي / قاسم صالح

أصعب ما يلقى الإنسان في مسار حياته أن يدفع قسرا إلى أن يكون شخصا آخر، لينسجم مع قوالب اجتماعية متناقضة ومثقلة بالتجاذبات. تلك القوالب التي لا تصوغ الفرد على مقياس إنساني أو أخلاقي، بل على وفق متطلبات واقع مأزوم فقد نقاءه الأصلي، وتشوه تحت وطأة العولمة وسطوة المال واستلاب السياسة.
في مثل هذا السياق، يغدو الإنسان كائنا ممزقا بين إرث قيمي يوشك على الاندثار، وحاضر يفتقر إلى المقومات الفكرية والعلمية والحضارية التي تضمن له توازنه وهويته.
إنها ملحمة محتدمة بسيوف من خشب، يخوضها الإنسان العربي — والموريتاني تحديدا — باحثا عن ذاته بين الماضي والمستقبل، بين الأصالة والضياع.
تعيش موريتانيا — مثل كثير من المجتمعات العربية الخارجة من طور البداوة إلى طور الدولة الحديثة — حالة انتقالية مضطربة، تجسد أزمة الازدواج بين الشكل والجوهر.
فبينما تمتلك البلاد رصيدا أخلاقيا وثقافيا غنيا تشكل عبر القرون من قيم الكرم والعلم والنجدة والتكافل، أصاب هذا النسيج ما يشبه التحلل القيمي تحت ضغط العولمة والتمدين السريع، دون أن ترافقه ثورة معرفية أو فكرية.
لقد أصبحت القيم المادية والمظاهر الطبقية تتقدم على القيم الروحية والفكرية التي ميزت المجتمع الموريتاني التقليدي.
يختزل النجاح في السلطة والمال، ويتراجع الاعتبار للعلم والمعرفة، فتغدو الدولة كيانا بيروقراطيا هشا، والمجتمع ساحة لتجاذب المصالح.
وهذا ما كان مالك بن نبي يحذر منه حين تحدث عن (القابلية للتحضر) باعتبارها الطاقة الداخلية التي يجب أن تنبع من الوعي لا من التقليد الأعمى.
في غياب هذه القابلية، تتحول الحداثة إلى عبء لا إلى فرصة.
من أبرز مظاهر التحول القيمي في موريتانيا تزايد نفوذ المال السياسي، وتراجع سلطة الفكر والمعرفة. فقد أصبح الولاء أهم من الكفاءة، والمصلحة الشخصية أسبق من الصالح العام، ما جعل الإنسان يرضخ لإكراهات الواقع بدل أن يسهم في تغييره.
وهكذا تتآكل الأخلاق العامة في ظل اقتصاد ريعي يخلق تفاوتا طبقيا، وينتج ما يمكن تسميته بـ(الاغتراب القيمي)، حيث يستبدل الإيمان بالربح، والضمير بالمنفعة.
وهنا عبر جمال عبد الناصر عن هذه الحالة حين قال (الحرية السياسية لا معنى لها إذا لم تتكئ على عدالة اجتماعية.)
فالتحرر الحقيقي يبدأ حين تتحرر الإرادة الإنسانية من الابتزاز الاقتصادي والسياسي، وحين يعاد الاعتبار إلى الإنسان كقيمة لا كأداة.
في موريتانيا اليوم، تبدو هذه الرؤية الناصرية أكثر راهنية من أي وقت مضى، إذ لم يعد الصراع فقط على الموارد، بل على المعنى ذاته.
موريتانيا من الدول الحديثة عهدا بالتحضر السياسي والمدني، وقد ورثت بنية اجتماعية تقليدية لم تتكامل بعد مع مفهوم الدولة الحديثة.
فالديمقراطية فيها لا تزال أقرب إلى (آلية تداول) منها إلى (ثقافة مشاركة)، والتحضر غالبا ما يترجم في المظاهر العمرانية لا في التحولات الفكرية.
إنها — كما وصفها طه عبد الرحمن — حداثة مادية بلا جذور أخلاقية، تمس السطح ولا تلامس الجوهر.
فالمجتمع الموريتاني يعيش اليوم ازدواجية الهوية بين قيم الأصالة الشفوية والعلاقات القبلية، وبين إيقاع المدينة ومفاهيم الدولة والقانون.
هذه الازدواجية تولد صراعا في الوعي الجمعي بين ماض سلب منه صفاؤه، وحاضر لم ينجز شروط نضجه.
وهي حالة يمكن وصفها بما صاغه عبد الرحمن منيف في قوله (الإنسان العربي يعيش دائما على تخوم زمنين، لا يكتمل في أي منهما).
في هذا السياق الموريتاني المركب، يتحول الإنسان إلى كائن يطارد صورته في مرايا الآخرين، يحاول أن ينسجم مع قوالب لا تشبهه.
ينظر حوله فيرى أن الوفاء صار ضعفا، والصدق سذاجة، والكبرياء تهمة.
فيتسكع — كما يقول النص — في أطلال الفضيلة والوفاء والكبرياء، حاملا ذاكرة نقية لزمن لم يعد له مكان.
وهنا تكمن مأساة الإنسان الموريتاني المعاصر أنه يعيش بين أنين الموروث وإغراء الحداثة المشوهة، دون مشروع وطني أو فكري جامع يوفق بينهما.
إن مأساة الإنسان الموريتاني، والعربي عموما، ليست في فقره المادي، بل في اغترابه القيمي وضياع بوصلته الحضارية.
فالمجتمعات التي لم تحسم صراعها بين الأصالة والتحديث تظل أسيرة التناقض. وهنا تبرز الحاجة إلى نهضة فكرية تستلهم مشروع جمال عبد الناصر في تحرير الإنسان قبل الوطن، وتستعيد من مالك بن نبي إيمانه بأن التقدم يبدأ من (الفكرة الدافعة)، ومن طه عبد الرحمن فهمه للأخلاق كأساس للحداثة.
إن موريتانيا، بهذا المعنى، ليست حالة فريدة بل نموذج مصغر لأزمة الأمة كلها أزمة وعي وهوية وضمير.
ولن ينهض الإنسان الموريتاني إلا حين يدرك أن الكرامة لا تشترى، وأن الحداثة لا تستورد، وأن الحضارة لا تبنى إلا على وعي نقدي متجذر في الذات.
ففي زمن كهذا، يصبح الوفاء للإنسانية أسمى أشكال العصيان، وأعمق مظاهر الحرية.


قاسم صالح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى