canlı casino siteleri casino siteleri 1xbet giriş casino sex hikayeleri oku
آراءموضوعات رئيسية

كيف نجد أنفسنا في عالم السياسة الموريتانية و اضطراب الهوية التفارقي والفساد المالي / قاسم صالح

منذ فجر الاستقلال، ظل الإنسان الموريتاني — كغيره من أبناء الأمة العربية — يعيش بحثا مؤلما عن ذاته الضائعة بين الماضي والمستقبل، بين الانتماء الأصيل والتحديات المستوردة. لقد خرجنا من الاستعمار السياسي، لكننا لم نتحرر بعد من الاستعمار الثقافي والنفسي الذي عطل قدرتنا على بناء مشروع وطني جامع.
إن ما يسميه المفكر الجزائري مالك بن نبي بـ(القابلية للاستعمار) لم يكن مجرد خضوع خارجي، بل حالة من فقدان الوعي بالذات التاريخية. فبعد الاستقلال، لم تبن الدولة الموريتانية على أساس مشروع وطني تحرري، بل على توازنات قبلية وجهوية أعاقت تشكل الهوية الجامعة. وهكذا ولدت الدولة قبل أن تولد الأمة، فغابت الروح وبقي الجسد الإداري البيروقراطي.
من هنا، فإن أزمة السياسة في موريتانيا اليوم ليست فقط أزمة نظام أو نخب، بل هي أزمة وعي ووجود، تتجلى في ما يمكن تسميته بـ اضطراب الهوية التفارقي، أي الانقسام الحاد بين صورة الذات كما يجب أن تكون، والواقع كما هو عليه.
في المشهد السياسي الموريتاني الراهن، يعيش المواطن تمزقا بين انتمائه الوطني الجامع وانتماءاته الضيقة، بين طموحه إلى دولة حديثة عادلة وواقعه المحكوم بالبنى التقليدية التي تهيمن على القرار السياسي.
لقد تحول الفعل السياسي في كثير من الأحيان إلى أداة لإعادة إنتاج العصبية بدل أن يكون وسيلة لتحقيق العدالة.
وبذلك انقلبت معادلة السياسة من بناء الدولة إلى خدمة الزعيم، ومن ترسيخ المواطنة إلى توسيع دوائر الولاء القبلي، فبدل أن تكون الأحزاب فضاءات للفكر والبرامج، أصبحت أسواقا للنفوذ والمصالح، وهنا يظهر جوهر الاضطراب التفارقي غياب الانسجام بين الخطاب الوطني والممارسة الواقعية.
لم يكن الفساد المالي في موريتانيا حدثا طارئا، بل هو نتاج طبيعي لبنية سياسية فقدت توازنها الأخلاقي. حين تختزل الوظيفة العمومية في وسيلة للإثراء، وحين تدار الدولة بمنطق الغنيمة لا بمنطق العدالة، يصبح الفساد هو اللغة الرسمية غير المعلنة للنظام.
إنه ليس مجرد جريمة قانونية، بل جريمة حضارية، تعبر عن انفصال الإنسان الموريتاني عن الدولة، وعن تحول الثروة الوطنية إلى ملكية خاصة لفئة محدودة، وهكذا يتكرس الشعور العام بأن الوطن لم يعد للجميع، بل للبعض، وأن العدالة ليست حقا بل امتيازا.
الفساد المالي إذا هو تجسيد مادي لاضطراب الهوية الوطنية، لأنه يفرغ المواطنة من معناها، ويحول الإنسان من شريك في التنمية إلى تابع في منظومة الريع، وكلما تعمق الفساد، ازداد الانقسام، وانحسرت روح الانتماء، حتى أصبحت اللامبالاة السياسية ملاذ المواطن من خيبة الأمل، من هذا المنطلق، تبدو الحاجة إلى مشروع وطني ناصري جديد أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
لقد أدرك جمال عبد الناصر أن التحرر السياسي بلا عدالة اجتماعية لا معنى له، وأن النهوض لا يكون إلا عبر إنسانٍ حر كريمٍ يرى في الدولة حاميا للعدالة لا وسيطا للفساد.
الفكر الناصري، في جوهره، ليس دعوة إلى الزعامة، بل إلى بعث روح الأمة في المواطن، وتحويل الوعي الفردي إلى طاقة جماعية قادرة على بناء العدالة والكرامة.
وعلى هذا الأساس، فإن محاربة الفساد في موريتانيا ليست مسألة قانونية فحسب، بل مهمة فكرية وأخلاقية لإعادة تعريف معنى الوطنية، وإحياء العلاقة بين الإنسان والدولة. فحين يدرك المواطن أن الثروة العامة هي جزء من كرامته، لن يسمح بسرقتها، وحين يشعر بالعدالة، سيتحول من تابعٍ إلى فاعل، ومن رعية إلى مواطن.
لقد أدرك كل من جمال عبد الناصر ومالك بن نبي أن جوهر الصراع في الأمة العربية هو صراع بين الإنسان والشيء، بين القيم والمادة، بين رسالة الوجود وشهوة الامتلاك.
الفساد المالي، بهذا المعنى، هو الشكل الحديث لـ عبودية المادة، حيث يبيع الإنسان ضميره ليشتري لحظة سلطة أو ربحا زائلا. إنها خيانة مزدوجة: للوطن وللإنسان في آن واحد.
وحين تستعيد الأمة وعيها الأخلاقي، وتربط الاقتصاد بالرسالة، والسياسة بالقيم، تعود الحياة إلى الجسد، وتتحول الدولة من غنيمة إلى رسالة. عندها فقط نكون قد بدأنا التحرر الحقيقي — لا من الاستعمار الخارجي فحسب، بل من الاستعمار الداخلي للنفس والمصلحة.
إن تحرير الإنسان الموريتاني من عبودية المال هو جوهر النهضة المنشودة. فهو وحده القادر على بناء دولة العدل والمعنى، دولةٍ يكون فيها الضمير رأس المال الأول، والكرامة هي العملة الوحيدة التي لا تفقد قيمتها.
هكذا فقط يمكن أن نجد أنفسنا في عالم السياسة الموريتانية، لا كضحايا الاضطراب، بل كصناعٍ للوعي والمستقبل.
وهنا يستيقظ الضمير من سباته الطويل، تتنفس الأرض عدلا، وتغتسل الوجوه من غبار الخداع، وحين يدرك الإنسان أن الوطن ليس حقيبة تنقل، بل روحا تحمل، يبدأ التاريخ من جديد.
ليس الفساد قدرا، ولا الانقسام لعنة أبدية، بل هما امتحان للوعي والإرادة.
إننا نولد كل يوم من رمادنا، كما النسر العربي الذي لا يموت، نحمل في صدورنا وصية جمال عبد الناصر:
أن الكرامة أثمن من الخبز، وأن العدالة أقدس من السلطة، وأن الإنسان هو المعجزة الكبرى في هذا الوجود.
فلنبدأ إذا من أنفسنا، من تطهير أرواحنا من عبودية المال، ومن إيماننا بأن النهضة لا تشترى، بل تبنى بالصدق، والعقل، والوعي، والدم الطاهر الذي يسقي شجرة الوطن.
عندها فقط سنجد أنفسنا… لا في ضجيج السياسة، بل في صمت الحقيقة، في وطن يستعيد ملامحه من جديد، ويقول لأبنائه جميعا
أنا موريتانيا… وأنا أنتم.


قاسم صالح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى