canlı casino siteleri casino siteleri 1xbet giriş casino sex hikayeleri oku
آراءموضوعات رئيسية

العدالة والتفاوت الطبقي في موريتانيا حين تختفي القيم خلف امتيازات الأقوياء / قاسم صالح

(العدالة لا تغيب مرة واحدة، بل تختفي تدريجيا خلف امتيازات الأقوياء) العدالة لا تغتال دفعة واحدة، بل تختنق ببطء تحت أنقاض الامتيازات والمصالح الضيقة، حتى يغدو غيابها أمرا عاديا لا يثير الدهشة ولا الغضب. في التجربة الموريتانية، كما في كثير من الأوطان العربية، ترفع العدالة شعارا في الخطب الرسمية، لكنها تتوارى في الممارسة اليومية. وبين القول والفعل تتسع الهوة، فتتحول المساواة إلى وعد مؤجل، ويصبح القانون أداة لخدمة الأقوياء لا لحماية الضعفاء.
منذ عقود، يعيش المجتمع الموريتاني على وقع اختلالات اجتماعية واقتصادية متراكمة، جعلت العدالة توزع بميزان الولاء لا بميزان الحق. فالنفوذ القبلي، والانتماء الطبقي، والتحالفات السياسية، كلها باتت تحدد موقع الفرد في سلم العدالة، حتى غدت المساواة فكرة جميلة أكثر منها واقعا ممكنا.
حين تفقد العدالة معناها، يتحول الانتماء إلى ملاذ، والواسطة إلى وسيلة للبقاء. تصبح الحقوق هبات تمنح لا استحقاقات تنتزع، ويتراجع مفهوم المواطنة لصالح منطق الانتماء القبلي أو السياسي, في مثل هذا المناخ، يختنق الضمير العام، ويتحول القانون إلى ديكور شكلي يزين خطاب الدولة الحديثة، بينما الواقع يدار وفق منطق الغلبة والمصالح.
هذا التآكل في الإيمان بالعدالة لا ينتج فقط غبنا اجتماعيا، بل يهدد تماسك الدولة نفسها. فحين يشعر المواطن أن العدالة لا تشمل الجميع، ينهار الرابط الوطني، ويحل محله شعور باللاجدوى واليأس. وهنا، تبدأ الأمم بالتفكك من داخلها، قبل أن يسقطها عدو من خارجها.
في عمق الصحراء الموريتانية، حيث مجاهر الذهب تمتد على مد البصر، تتجلى المفارقة الكبرى ثروة في الأرض، وفقر على الأرض. شباب يطاردون الذهب بأيديهم العارية، ورجال نفوذ يكدسون الملايين من عرقهم وصبرهم. هناك، في تلك الرمال، يمكن قراءة المشهد الوطني كله بلد غني بالموارد، فقير بالعدالة.
لقد تحولت مجاهر الذهب إلى رمزٍ جديد لانقسام المجتمع بين من يملك القوة ومن يملك الأمل. فبينما يغامر آلاف المواطنين بحياتهم في حفرٍ عميقة بحثا عن لقمة مغمسة بالتراب، يبرم آخرون صفقات مريحة في مكاتب مكيفة، مستندين إلى الامتياز والعلاقات. وهكذا يعاد إنتاج التفاوت الطبقي بأبشع صوره، ويختزل الوطن في منجم مفتوح لنهب الثروات دون رقابة أو عدالة.
رأى جمال عبد الناصر أن العدالة الاجتماعية ليست مطلبا اقتصاديا فحسب، بل هي جوهر الكرامة الإنسانية وشرط بناء الأمة. فقد قال في أحد خطاباته.
(ان أخطر ما يصيب الأمة هو أن يصبح الفقر قدرا، والظلم واقعا، والامتيازات حقّا).
هذا الفهم العميق يجعل من العدالة مبدأً تحرريا، لا مجرد سياسة توزيع. فحين تستعاد العدالة، تستعاد الدولة من أيدي الأقوياء، ويسترد القرار الوطني من سطوة المصالح الخاصة. إن المشروع القومي العربي في جوهره لم يكن سوى دعوةٍ لإعادة توزيع الثروة والكرامة، بحيث يصبح الإنسان العربي شريكا في ثروته لا تابعا في وطنه.
إن ما تحتاجه موريتانيا اليوم ليس خطابات جديدة، بل عقد اجتماعي جديد يقوم على الشفافية والمساواة، يعيد تعريف الثروة باعتبارها ملكا جماعيا لا غنيمة طبقية. لا يمكن بناء دولة حديثة في ظل اقتصاد يقوم على الامتياز، وعدالة تحابي الأقوياء، وثروات تستغل خارج إرادة الشعب.
إن العدالة ليست مطلب النخب وحدها، بل حق كل عاملٍ في المجهر، وكل شاب في الصحراء، وكل مواطنٍ يطمح أن يرى ثمرة جهده تعود إليه. حين تتحقق هذه العدالة، لن تبقى مجاهر الذهب رموزا للفقر، بل ستتحول إلى منابع كرامة وطنية تغذي روح الدولة وتعيد الثقة بين المواطن ومؤسساته.
في النهاية، يظل السؤال الأكبر هل يمكن للأمة أن تنهض بينما العدالة تباع وتشترى؟.
الجواب هو نفسه الذي حمله فكر جمال عبد الناصر قبل نصف قرن( لا نهضة بلا عدالة، ولا سيادة بلا إنصاف)
فموريتانيا التي تمتلك الذهب والنفط والبحر، تحتاج قبل كل ذلك إلى الضمير العادل الذي يحول الثروة إلى مشروع وطني.
عندها فقط يمكن أن نعلن أن العدالة لم تعد غائبة خلف امتيازات الأقوياء، بل عادت لتكون — كما أرادها جمال عبد الناصر — روح الأمة وبوصلة نهضتها.


قاسم صالح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى