كتاب عرب
يوميات صائم: لولا أنزل عليه كنز ! / محمد رياض العشيري
في سورة هود – وهي السورة المكية الثانية والخمسون من حيث النزول – تتكرر المواقف نفسها التي وردت في سور سابقة، ويتردد الخطاب ذاته. إذ لا يزال النبي الكريم يكافح عناد قومه وعنتهم، وإصرارهم على اتهامه بالافتراء. بيد أنه مازال يخشى على قومه بسبب حبه – عليه السلام – لهم.
(وإن تولوا فآني أخاف عليكم عذاب يوم كبير: ٣)
والصورة التي ترسمها آيات هذه السورة ببساطة هي أن أثرياء مكة وأصحاب الجاه والسلطة فيها مازالوا يقفون مصرين في صدود أمام تلك الدعوة الجديدة التي جاء بها محمد. وبالرغم من أنه لا يريد سلطة ولا سلطانا، فإنه زعزع الأرض من تحت أرجلهم، بعد أن كشف بلطف عورتهم وسفاهتهم وعبادتهم حجارة أصناما من دون الله تعالى.
وليس محمد سوى بشر نذير وبشير كلفه الله برسالة يواجه في سبيلها المشاق، ولذلك يأتيه الوحي من وقت لآخر بما حدث لرسل وأنبياء سابقين له، ويروي له ما حل بأقوامهم من عواقب بسبب تكذيبهم وكفرهم، حتى يثبت قلبه الكريم.
(وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك …: ١٢٠)
وتبدأ السورة بتأكيد مهمة الرسول:
(إنني لكم منه نذير وبشير: ٢)
(إنما أنت نذير: ١٢)
وقد يضيق صدر النبي مما يلاقيه، لأنه بشر:
(فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك: ١٢)
إذ إن أثرياء قومه يطلبون منه ما تتصوره عقولهم المادية التي تخلد إلى الأرض، وما يرون فيه تعجيزا له:
(أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز، أو جاء معه ملك: ١٢)
ويتهمونه بالكذب والافتراء:
(أم يقولون افتراه …: ١٣)
لكن الله تعالى يرد عليهم بتحد كبير:
(قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات …: ١٣)
ووسط هذه المشقة، تروي الآيات بعد ذلك قصة نوح عليه السلام مع قومه، وقصة عاد وهود، وثمود وصالح، ولوط، ومدين وشعيب، وموسى. وهي جميعا قصص معاناة ومشقة تطلبت من هؤلاء الرسل صبرا شديدا.
(تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك، ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا، فاصبر إن العاقبة للمتقين: ٤٩)
وهذا الصبر بحاجة إلى زاد روحي دائم توفره الصلاة:
(فاستقم كما أمرت ومن تاب معك: ١١٢)
(وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل …: ١١٤)
(واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين: ١١٥)