هل نستطيع أن نتمنى لأنفسنا هذه الأيام عيدا سعيدا /فهمي هويدي
هل نستطيع أن نتمنى لأنفسنا هذه الأيام عيدا سعيدا فى مصر والعالم العربى؟ من حقنا أن نحلم بطبيعة الحال بتحقيق ذلك الأمل يوما ما. لكن سؤالى ينصب على وقتنا الحاضر، الذى أصبحنا ننزلق فيه من حضيض إلى حضيض ومن كابوس إلى آخر. وكلما اشتدت علينا الأزمات وظننا أن الأمور أوشكت على الانفراج، فوجئنا بأزمات أخرى أشد وأنكى.
تلح على منذ حين عبارة أديبنا الراحل نجيب محفوظ التى قال فيها إننا إذا هلكنا فهو العدل وإذا نجونا فهو لطف من الله ورحمته. وأدهش لنفاذ بصيرة الرجل الذى أطلق مقولته قبل عدة سنوات، حين كانت الأمور أقل سوءا بكثير مما هى عليه الآن. حتى يبدو لى أنه كان يستشرف المستقبل ويقرأ صفحة زماننا.
إن الأزمة الخطيرة التى تتفاعل فى منطقة الخليج هذه الأيام نموذج لبؤس زماننا الذى غيب فيه الرشد والحكمة والمروءة فى آن. كأن الذى يجرى تمهيد للهلاك الذى رأى الأستاذ محفوظ أننا نستحقه، ذلك أننا لسنا بصدد خلاف بين أشقاء، لكننا بإزاء لحظة تاريخية فارقة تشهد انهيارا لكل ما بنيناه وراهنا عليه. بدءا بفكرة الدولة الحديثة وانتهاء بمنظومة مجلس التعاون الخليجى ومعها قيم العمل العربى المشترك، مرورا بمبادئ العلاقات الدولية ليس بين الأشقاء أو الجيران، وإنما مع الأعداء أيضا. ذلك أن مقاطعة وحصار دولة جارة ومعاقبة شعبها كله، ثم الإمعان فى اخضاعها وإذلالها واشتراط استسلامها وانبطاحها لتبرير التعايش معها.
ان قائمة الشروط العشرة التى أعلنها الأشقاء القائمون على الحصار ليست مشروعا لحل الأزمة، لكنها أقرب ما تكون إلى وثيقة استسلام فرضها طرف يقاتل عدوا وأنزل به هزيمة ساحقة، ثم قرر إفناءه بعد التنكيل به. ومن المدهش أن نكتشف أن الأزمة مفتعلة وأسبابها المعلنة بدورها مفتعلة ولا دليل عليها. ويظل مخزيا وداعيا للأسى أن تتهم قطر من قبل خصومها بدعم الإرهاب. ثم يصدر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بيانا يحذر فيه «الأشقاء» من التمادى فى الترويج للاتهامات الزائفة التى تتهم بها دولة قطر الحليفة للولايات المتحدة.
أما الذى لا يقل غرابة أن تقحم مصر فى الخصومة الخطرة، ثم أن يزايد بعض الإعلاميين المصريين على الجميع فى تعميق الجراح وتأجيج الفتنة. وبدلا من أن تقف الشقيقة الكبرى مع الكبار الذين نأوا بأنفسهم وتعاملوا مع المشهد بحذر رصين، وجدناها انزلقت فى وحل الأزمة، إلى الحد الذى دفع بعض إعلامييها إلى استهداف قطر عسكريا، ومنهم من دعا إلى إحداث «تفجير أو اثنين» فى ربوعها. ولا يقولن أحد إنها مجرد مزايدات إعلامية غير مسئولة؛ لأننا نعلم أن كلاما بهذه الخطورة لا يبث عبر القنوات التليفزيونية بما فيها المستقلة منها إلا فى وجود ضوء أخضر من المراجع الأعلى. يؤيد ذلك أن الذين رددوا تلك الدعوات من المحسوبين على الأجهزة الأمنية.
إن رسالة ذلك الأداء الصادم تفهم بحسبانها تلويحا باحتمال القيام بعمل عسكرى إزاء قطر. وهى الفكرة التى جرى تسريبها قبل عدة أيام. وتحدثت عن مخطط أعد لتدخل عسكرى من بعض الأطراف الخليجية يحدث انقلابا فى الدوحة، لكن تحفظا أمريكيا أوقفه.
واقعنا البائس لا تدل عليه فقط الأزمة الخليجية وإعلان وفاة مجلس التعاون الخليجى، لأن البلوى أعم وأوسع نطاقا. والأزمة المذكورة ليست سوى أحدث فصولها. أما عناوين الفصول الأخرى فى كتاب البؤس فهى عديدة. فلدينا مأساة فى اليمن المبتلى بالحرب العبثية والكوليرا. وأخرى فى غزة المبتلاة بالحصار وبقطع التيار الكهربائى. والمأساة أكبر فى سوريا والعراق اللذين تم تدميرهما عمرانيا وحضاريا. يحدث ذلك فى حين تدخل مصر فى نفق مظلم بعد تمرير وإصدار اتفاقية تيران وصنافير، وفى ظل تزايد مؤشرات قمع الحريات وملاحقة النشطاء، مع استمرار الاحتفاظ بنحو ٦٠ ألف شخص فى السجون اتهموا فى قضايا سياسية منذ عدة سنوات.
إزاء كل ذلك يخيم الحزن المقيم على الأفق المسدود، وتتساقط الكلمات فى الحلق حين يهم المرء بالحديث عن عيد سعيد لأهلنا وأوطاننا، حتى يبدو الكلام عن عيد سعيد وكأنه تعبير عن أمنية لا تخصنا وتعنى أناسا غيرنا.